التخطي إلى المحتوى الرئيسي

البعث-قوميون و الاسلام-سياسيون .. من يرث الآخر

   عندما كان نجم القوميون العرب يأفل (الناصرية و البعثية) كان نجم الأخوان المسلمون آخذ في التألق .. ظن الاسلامويون حينها انهم الوريث الوحيد لتركة القوميين (الدولة الوطنية) و الحكم و الثروات الوطنية و الساحة الثقافية ..

لكن سرعان ما احترق و تناثر نجم الاسلامويين كنيزك فشل في اختراق المجال الجوي للأرض!

في المنطقة العربية يترقب الناس نموذج مابعد القوميين و الاسلامويين، اما في السودان فكما ورث الاسلامويين القوميين شارك القوميون في وراثة الاسلاميين!! تيار من حزب البعث شارك في قحت و في حكومتها و في لجنة تفكيك مؤسسات الاسلاميين!

هذا يحيلنا الي مقارنة دكتاتورية و استبداد القوميين "الاقرب للحداثة و التمدين" بالاستبداد الديني الشرس.

تاريخياً كان الاستبداد الديني هو الاسبق (التاريخ المعروف و المكتوب علي الاقل /التاريخ المعاصر).. لكن في هذه المنطقة من العالم كان الأمر مختلف تماماً !

التاريخ المعاصر لهذا الاقليم (الشرق الاوسط و شمال افريقيا) و بسبب الظاهرة الاستعمارية دشنت الحكم المستقل فيها حكومات استبداد قومي (بعثي/ناصري/ قومي اشتراكي، اتاتوركي، شاهنشاهي)، اعقبه في بعض الدول استبداد ديني (ايران، و السودان، تركيا) و جيوب اخري كغزة و لفترة قصيرة في مصر (الرئيس محمد مرسي).

هل تعتبر انظمة الخليج استبداد ديني؟

ربما تلك الانظمة تعيش في سياق مختلف و حقبة زمنية مغايرة لكن الي حد ما يمكن اعتبار نظام المملكة السعودية نظام استبداد ديني.. استبداد ديني لم يسبقه استبداد قومي.

أو هو مزيج بين الاثنين !!

فالتاريخ غير المكتوب جيداً للمنطقة (القرون الوسطي و ماقبلها) شهدت حالة مزيج بين الاستبداد الديني و القومي، فدولة الامويين كان مزيج من ذلك، كذلك الدولة العباسية؛ و الامبراطورية العثمانية! كل تلك الدول و انظمة الحكم استندت الي شرعية الدين اضافة لقوة العرق و القبيلة (غلبة العصبة).

هذه التوليفة المميزة و المزيج (بين الدين و القومية) كأساس للسلطة و التي ميزت دول العالم الاسلامي ربما تكون هي السبب في تأخر و صعوبة الانتقال لمرحلة دولة مابعد الدينية و العصبية العرقية أي دولة المواطنة (الدولة المدنية / الدولة الحديثة/دولة حكم القانون/ دولة المؤسسات ..الخ).

في الواقع كل نظام استبداد ديني (اسلامي) يحتوي علي العرق كمكون ولو بنسبة ضئيلة، و كل استبداد قومي (في العالم الاسلامي) يمثل الدين بالضرورة نسبة لا يستهان بها من مكونه.

ذلك لكون ان الاسلام يرتكز بالأساس علي القومية العربية و العرق/اللسان العربي، لذا حتي دول الاستبداد الديني الاسلامي في المجتمعات غير العربية تستطيع بسهولة الاستعاضة عن المكون القومي (العربي) بمكونها الخاص.

كما ان القومية العربية تعتمد علي الدين الاسلامي كأبرز و أهم مميزاتها و سماتها و مكتسباتها ... لذا فان أي نظام استبداد قومي عربي حتي ولو اصطبغ بطابع علماني فستجد ان الدين مكون راسخ فيه..

لذا نجد انظمة دينية كنظام الخرطوم الاصولي (١٩٨٩-٢٠١٩م) واجه انتقادات بتفضيل و الانحياز للعنصر العربي !!

و انظمة دينية-اسلامية في ايران و تركيا و افغانستان (فارسية و تركمانية و بشتون) استندت علي عصبية عرقية و اثنية استعاضت بها عن العصبية للعرق العربي. 

كما تلاحظ كيف ان نظام صدام حسين البعثي قد رفع شعارات دينية عندما واجه تهديد وجودي (كتابة عبارة الله اكبر في علم الدولة العراقية في حرب الخليج الثانية).

يبدو ان الدول في هذا الاقليم و التي ورثت الشكل الحديث من الاستعمار (الحدود المرسمة و المعترف بها دولياً) كان صعب عليها ان ترث كذلك المضمون (قيم الدولة الحديثة) !!

لهذا السبب بالذات (صعوبة الانتقال لدولة المواطنة) فان الاسلامويين و القوميين يمكن ان يتناوبوا في وراثة احدهم الآخر بشكل مستمر؛ و ذلك الي حين قيام انظمة و حكومات حديثة - أي حكومات ما بعد الدولة الدينية/و العرقية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...