التخطي إلى المحتوى الرئيسي

البنوك و النظام المالي السوداني... متي التغيير؟!

  متي بالضبط تنوي الحكومة "الانتقالية" اصلاح النظام المصرفي؟! و بالأخص اصلاح البنك المركزي؟

هذا هو السؤال الذي ظللنا نلح علي طرحه منذ تشكل تلك الحكومة "الانتقالية"!! و تأخير هذه المهمة التي لا تحتمل التأخير و التأجيل 

بدون اصلاح و تهيئة هذه المواعين لن ينصلح حال الاقتصاد و سيذهب كل الجهد المبذول سدي و ادراج الرياح..

البشير المعزول نفسه في احد آخر انتقاداته بعد ان اصبح (ناقد عام) كان قد وجه سهام نقده للبنوك الاسلامية و حملها مسؤولية الفقر و الازمات و وصفها بأنها اسوء من البنوك الربوية و حينها لم يفتح الله علي أحد المتفيقهين من دعاة الصيرفة الاسلامية و لا كبار الصيارفة ممن يعدون عرابي هذه التجربة في السودان وخارجه بكلمة دفاعاً عن تلك التجربة و تلك البنوك..

تلك البنوك هي المسؤولة عن تردي النظام المالي و الاقتصادي خلال الثلاثين عاماً، فبعد تغيير العملة الاول و الذي اخرجت و افقرت بموجبه كل القطاعات المنتجة و تم تخليق و تضخيم طبقة انتفاعية "سماسرة" اغتنت بصورة غير مشروعة عبر التمول من ارصدة المودعين و استغلال اموال الناس ضدهم و لتخريب الاقتصاد.. و هذا ما أدي لظهور أشكال غريبة من صيغ التمويل (الكسر و الوضع و المَلِخ) بالتوازي مع ما احدثتها البنوك (الاسلاموية) من صيغ (المرابحة و المضاربة و السلم..) و حتي انتهينا الي ظاهرة (سوق المواسير) الشهيرة!

دمرت الانقاذ البنوك التقليدية كما دمرت البنك المركزي و الذي تحول من بنك الدولة و بنك البنوك الي ضيعة يحدد سياستها عصابة من السماسرة اضافة للبشير و اخوانه!

البنك المركزي في اصول عمله يجب ان يكون مستقلاً حتي عن وزارة المالية و له مجلس ادارة أو مجلس امناء يتشكل من قيادات العمل المصرفي و الاقتصادي ممن هم مشهود لهم بالدربة و الحنكة في السياسة النقدية و الصيرفة و النزاهة و الحياد و الاستقلالية، استقلالية البنك المركزي كاستقلال القضاء متي ما عبث بها انهار ركن الاقتصاد الركين..

احدي خطوات اصلاح النظام المصرفي هي إعادة السماح للبنوك التقليدية بالعمل مجدداً مثلما كان عليه الحال قبل 1989م، و كذلك السماح للبنوك "الحالية" بفتح نافذة تقليدية مثلما كان معمولاً في ترتيبات اتفاق السلام مع الجنوب "نيفاشا" .. هذه خطوة ضرورية حتي تمهد الساحة المالية لاستقبال بنوك و مؤسسات تمويل عالمية؛ فالملاحظ ان السودان و منذ وقت طويل يخلو من بنوك عالمية و أسماء مالية دولية ك"سيتي بنك" و "اتش اس بي سي" و غيرهما من المؤسسات المالية الدولية العريقة و التي لا تخلو من فرع لها عاصمة أو مدينة في العالم بما فيها عواصم المنطقة المجاورة للسودان.

بغير ضبط قنوات تدفق الاموال "البنوك" يستحيل التحكم في سعر الصرف و تحقيق الاستقرار لسعر العملة الوطنية مقابل الأجنبية.. 

و بعد تأهيل تلك القنوات يمكن للدولة ان تأمر مواطنيها العاملين بالخارج بتحويل و ايداع اموالهم عبر البنوك و ليس عبر نظام مالي سري و خفي و أسود موازي!

كما يمكنها ان تطرح سندات تكون "سند للوطن" بحق؛ للمواطنين و حتي للأجانب بما يمكنها من بناء احتياطي من العملات الصعبة..

و السؤال المُلِح لا يزال قائم؛ متي تريد الحكومة و متي تريد حاضنتها اصلاح النظام البنكي و البنك المركزي، متي؟؟

١٥/ ٩/ ٢٠٢٠م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...