(الكلونيالية الشيوعية او الحالة الاستعمارية السوفيتية و الوقوف بوجه التحولات الديمقراطية ليس في تخوم روسيا و حسب انما في كل العالم!)
بتصرفها الأخير اثبتت سلطة روسيا ما بعد الشيوعية-السوفيتية انها؛
اولاً، تنظر الي محيطها و شركاءها السابقين "السوفيت و حلف وارسو" علي انهم "مستعمرات روسية سابقة و مناطق نفوذ ما بعد استعماري، و بذلك تكشف روسيا عن حقيقة لطالما انكرتها و صورت نفسها ايام المثاليات الشيوعية علي انها قوة مناهضة للاستعمار! في حين ان روسيا "كانت" تناهض الاستعمار الذي يمثله الغرب اما استعمارها هي فانها تزينه و تجمله بمساحيق و مصطلحات ماركسية طنانة لا أكثر و لا أقل!
و ثانياً: تبرهن علي انها قوي توسعية و امبراطورية و انها تريد ان تعود بروسيا الي عصور الاباطرة!
باجتياحه لاراضي اوكرانيا ارتكب بوتين خطأ عسكري و سياسي مميت و هو بمثابة اقدام علي الانتحار السلطوي.. فهدف فلاديمير بوتين "المعلن" من الحرب هو احتلال اوكرانيا عسكرياً كهدف عسكري للحرب؛ و من ثم الاطاحة بالحكومة الاوكرانية الحالية المنتخبة من شعب اوكرانيا؛ و تنصيب حكومة امر واقع تكون بمثابة خادم للاحتلال؛ و تضمن نزع سلاح اوكرانيا، و تضمن كذلك بقاء اوكرانيا في حالة تبعية سياسية و امنية و عسكرية "بوتين يسميها حياد!!"، و تعترف بسيادة روسيا علي شبه جزيرة القرم..
و باستثناء الهدف العسكري "الاجتياح و الاحتلال" فان بقية الاهدف لا تمثل بحال اهداف واقعية اذ لا وجود لقوة عسكرية يمكنها (وحدها) ضمان وضع سياسي معين..
و حتي الهدف العسكري فانه يمثل انتهاك للقانون الدولي و لا يستند علي اية شرعية سياسية.
هدف بوتين "غير المعلن" لعملية اجتياح اوكرانيا و غزو اراضيها هو مد بوتين بمبرر سياسي ليمدد ولايته السياسية و يكسب شرعية ليمد فترة حكمه لروسيا لعشرين سنة اضافية بعد ان حكمها بالفعل لعشرين سنة حتي الأن!
ثم مقايضة الموقف في اوكرانيا بالموقف في سوريا ليحصل علي تسوية شاملة تنهي تخبطه و خسارته في سوريا، اهمال الغرب للأزمة السورية هو الذي يدفع بوتين للمقامرة في اوكرانيا ليعيد ترميم خسارته في المنطقتين، فروسيا تنتظر تسوية الملف السوري لتحصل علي نصيب الأسد في عمليات اعمار سوريا؛ لكن تجاهل الغرب لهذا الأمر وضع روسيا في موقف حرج، مع العلم ان دخول روسيا بقوة في سوريا كان بعد خسارة الحكومة الموالية له في اوكرانيا سنة ٢٠١٤م عندما حاول ان يعوض في سوريا خسارة اوكرانيا لكنه فشل و اليوم يحاول ان يعوض في اوكرانيا خسائره في سوريا!!!
بوتين تحايل علي (الدستور الروسي-بعد الشيوعي) و عاد الي الحكم بعد ان تخلي عن رئاسة الدولة اسمياً لموظفه "ميدفيدف" ثم عاد بعد كسر شرط عدم التمديد.. و هو اليوم يحتاج لمبرر قوي ليمدد ولايته الي مالانهاية، و هدف هذه الحرب هو اعطاء بوتين مبرر و شرعية "شعبوية" للاستمرار في حكم الشعب الروسي و بمستوي قبول يكفل له البقاء.
الحديث عن ان انضمام اوكرانيا لحلف الناتو و للاتحاد الاوروبي يمثل تهديد لموسكو لا يصلح كمبرر، فالحلف كان دائما و منذ الحرب الباردة علي تخوم روسيا الشيوعية، و حتي بقول كونه تهديد فعلي فهذا لا يبرر العدوان.
و لأنه (بوتين) شن حرب غير شرعية فان احتمالات خسارته لتلك الحرب كبيرة و أعلي بكثير من احتمالات ربحها.. و هو لن يضطر الي ايقاف العدوان و سحب فرقه العسكرية من الاراضي الاوكرانية التي احتلها وحسب؛ بل ان روسيا ستتحمل كامل كلفة الاضرار التي الحقتها بالشعب الاوكراني و بالبنية التحتية الاوكرانية و ستضطر الي سداد كامل التكاليف و تعويض اوكرانيا عن خسائرها البشرية و المادية.. و قد بدأت المؤسسات الغربية في حساب و احصاء الخسائر و بلغت حتي الأن نحو ٢٠٠ مليار دولار، ما يعني ان روسيا ستتحمل اضافة لخسائر سوريا خسائر اوكرانيا.
هذا علاوة علي الخسائر المباشرة التي يمني و سيمني بها الجيش الروسي، صحيح ان سلطة بوتين تمكنه من اخفاء و انكار خسائر جيشه البشرية و المادية الا ان هذا الاخفاء و الانكار لن يدوم الي الأبد و لا تستطيع سلطة مهما كانت قابضة و مخيفة ان تخفي مثل هذه الخسائر لمدة طويلة، و ان كان الشرق يشتهر بالتكتم و عدم الشفافية علي المستوي الرسمي؛ الا انه يشتهر كذلك بالثرثرة و التسريبات علي المستوي الشعبي.
روسيا و الصين كانتا الي وقت قريب حاذقتان في تمرير الانقلابات علي الديمقراطية و اسناد الدكتاتوريات في اسيا و افريقيا (بورما، و السودان و مالي و غينيا، و بوركينافاسو..الخ)، لكن منذ عبثها بانتخابات اميركا و ايصال ترامب للحكم و دعم التيارات الشعبوية من فرنسا الي البرازيل و الي الهند.. فان العالم الديمقراطي وجد نفسه في موقف لا يحتمل الا المواجهة. و
معادلة المواجهة الأن ليست (قوي عظمي في مواجهة قوة متواضعة) انما روسيا التي لا تتدعمها الا بيلاروسيا و كوريا الشمالية في مواجهة اوكرانيا التي تدعمها القوي الديمقراطية في العالم و الدول الصناعية السبعة و الاتحاد الاوروربي و اجماع دولي في الجمعية العامة للأمم المتحدة.. و هنا فان الكفة (السياسية) تنقلب كلياً و تميل لصالح اوكرانيا. قد لا تنقلب الكفة العسكرية بشكل حاسم بمواجهة الناتو عسكرياً لكن الدعم العسكري الدفاعي لأوكرانيا و قذائف ستنغر و جافلن و اخواتهن من السويد و المانيا و بريطانيا ستكفي لافشال خطة الغزو.
هدف بوتين غير المعلن؛ أي اكتساب شرعية لتجديد ولايته و تنصيب نفسه فيما يشبه كونه قيصراً جديداً لروسيا، و تعويض خسائر سوريا؛ هدف لن ينجح في تحقيقه و حينها لن يكون المقابل هو اكتمال تحول اوكرانيا نحو الغرب و العالم الديمقراطي فقط انما ستكون للديمقراطية مساحة لتتقدم اليها؛ نحو منسك بل و نحو موسكو نفسها اولاً، لما لا.
١٢/ ٣/ ٢٠٢٢م
تعليقات
إرسال تعليق