الشعب بثورة ديسمبر اتاح للقوي السياسية التي عارضت الانقاذ لثلاثين عاماُ باسلوب ردة الفعل؛ ان تتنتقل منها الي الفعل السياسي لكن تلك القوي تقاصرت و انتكصت ثانيةً من خانة الفعل الي ردة الفعل!
خذ مثلاً سياسة التمكين التي مكنت عناصر التنظيم الاسلاموي من احتكار و نهب المال العام و التغلغل في الوظيفة العامة و كان من الممكن ان تتم صياغة سياسة عامة جديدة تحاصر ذلك التمكين و عواقبه و (و هذا هو الأهم) تضع معالم سياسة تحصن المال العام و الوظيفة العامة من هكذا سياسات كارثية اجرامية و مضرة بالدولة و المجتمع (تمكين) .. لكن القوي السياسية المسجونة عقلياً في خانة رد الفعل اختارت سن قانون للتفكيك الذي تنويه او تعتزمه! و قامت عبر لجنة (العطا/ و محمدالفكي/ و وجدي-صامولة/ و مناع ..الخ) باستصدار قرارات استرداد و مصادرة لبعض الاموال و الاصول و فيما كانت تظن بذلك انها (اللجنة) تحسن صنعاُ؛ كان الكيزان و حلفاءهم في اللجنة الامنية يخططون لاجهاض كامل العملية و استغلال ذات قانون اللجنة و ذات قراراتها ضدها..
ظنت اللجنة (التفكيك) انها قامت بكل العمل بمجرد انها استردت بعض الاموال و فصلت بعض الموظفين (المتمكنين) لكن هل تعرف اللجنة مقدار المال المهدر من الخزينة العامة جراء امتلاك اموال بغير وجه حق و تخصيص اصول و عقارات بلا استحقاق؟ و هل يمكن تقدير الثروة التي ضاعت و (تقييمها مالياً) جراء اسناد وظائف لغير مستحقيها؟
اذ تقول دراسات مكافحة الفساد ان اختلاس مبالغ نقدية او تحصيل عمولات لا يعني ان الضرر العام يساوي مجموع تلك المبالغ المتحصل عليها عن طريق الممارسات الفاسدة، بل يتعدها باضعاف مضافة و تشمل كل المبالغ التي خسرتها الدولة نتيجة احجام الاستثمارات عن التدفق بسبب الفساد !
كيف يمكن تعويض الشعب عن تلك الخسائر غير المنظورة (ففي القانون المدني و التعاقدات كل عدم التزام ببنود عقد تنضوي علي تسبيب خسائر و تفويت ربح) ..
و هنا ثمة ارباح تم تفويتها علي المال العام يحتاج حسابها لآلاف المحاسبين و العقول المالية لتقديرها تقدير حقيقي او اقرب للحقيقة!
و اهم من التعويض عن الخسارة الفعلية و الربح الذي فات، ما هي السياسة البديلة.. فالتمكين كان بصمة الانقاذ و وصمتها، فأين بصمتكم انتم؟ ما هي السياسة التي تم اعدادها استعداداً لاتباعها لحماية المال العام و الوظيفة العامة و صيانتها من احتمالات الانتهاك مستقبلاً..
فهؤلاء الناس (الذين تمكنوا) لو مصينا دماءهم و طحنا عظامهم لن يعوضنا ذلك عما سببوه لنا من خسارة و من ألم، و التعويض الحقيقي هو باعادة توظيف الارض و التمويل علي أسس عادلة لتكن القدرة علي المنافسة الاقتصادية متاحة للجميع و ليس الغناء متاح للأقربون و الفقر للأباعد!
و التعويض الحقيقي يكون بتحويل التمكين الي وصمة عار تسير بها ركبان التاريخ، وصمة عار ان لم يستحِ منها لصوص المؤتمر الوطني فيستحي منها اولادهم و احفادهم .
تحويل التمكين لوصمة عار بعد ان جعله الاسلامويين لاسلوب حياة و نمط تكسب لا يتسامح الناس معه فقط انما يجلون من يسلك سبيله !!
دعك من التمكين و دهاليزه الغامضة و ملفاته الشائكة و خذ قرار بسيط اتخذته محلية الخرطوم شمال او ولاية الخرطوم و قضي بأن تتحول طرقات في قلب الخرطوم من خدمة اتجاهين سير الي خدمة اتجاه واحد (شارع الحرية و شارع عبدالمنعم، علي سبيل المثال)؛ كل ما فعلته حكومة الحرية و التغيير هو ان اعادتهم للعمل في المسارين كما في السابق! دون ان تكلف نفسها النظر في حال الطريق و جانبيه و الزحام الحاصل فيه و هو يخدم مسار واحد و ما حدث و هو يعمل في المسارين!؟
الانتقال من مرحلة الانقاذ الكئيبة الي فضاء الديمقراطية و دولة حكم القانون يتطلب عمل يتجاوز عكس قرارات الانقاذ تلك و يتجاوز ابطال مفعول سياساتها، الي اتخاذ سياسات جديدة تكون كفيلة بتجريد الاسلامويين من امتيازات سيطرتهم علي مقاليد الامور لثلاثة عقود و من تمتعهم بميزة معرفة كل خبايا الدولة و المجتمع؛ سياسات تعيد وضع قواعد لعب/عمل جديدة سياسياً و اقتصادياً و اجتماعياً، قواعد تراعي مبادئ الشفافية و النزاهة و التنافس الشريف .. بمعني خلق بيئة جديدة غير تلك التي خلقها الاسلامويين لتناسبهم و ألفوها و تفوقوا فيها، بيئة يجد الاسلامويين فيها ان كل ما (غنموه) من الشعب و كل خبراتهم التي اكتسبوها بلا فائدة.
#وصمه_التمكين
تعليقات
إرسال تعليق