(خيل الثورة تجقلب .. و الشُكر لي حمدوك !)
و صعود الاقزام علي اكتاف الثورة لا ينتقص من عظمتها مثقال ذرة ..
ديسمبر غيرت واقع سياسي استعصي علي التغيير .. واقع سياسي يئست القوي المحلية و الدولية من تغييره حتي اغترت الطغمة الحاكمة و قال بعضهم انهم لن يسلموا السلطة الا للمسيح بعد عودته .. فكانوا هم المسيح الدجال و كانت ثورة الشباب هي المسيح العائد.
ديسمبر غيرت الطبقة الحاكمة بقدر كبير، فكل الذين صعدوا بعدها الي سدة العمل العسكري و الأمني و مجلس الوزراء و السيادة و تصدروا المشهد السياسي (الدقير و السنهوري و الخطيب و بابكر فيصل و و الخ) كلهم كانوا مغمورين علي احسن الفروض او نكرات (علي المستوي الشعبي علي الأقل و بعضهم علي مستوي النخب) و ديسمبر هي التي صنعت منهم "شخصيات عامة".. و من كان معروف منهم (حمدوك) كان مجرد شخصية هامشية..
حمدوك تحديداً كان مجرد مرشح لمنصب وزاري في اخريات شهور الانقاذ؛ و كان أمل الاسلامويين ان يتمكن حمدوك من انقاذ الاقتصاد و انقاذ البلد من الانقاذ و انقاذ الاسلامويين من انفسهم و من غضب الشعب!!! و تلك كانت مهمة مستحيلة لا حمدوك و لا آدم اسمث نفسه (ابو الاقتصاد) يقدر عليها .. كان حمدوك قبل ان تبدأ المجالس تتناقل اسمه و سيرته مجرد شخص هامشي يتحرك في هامش تجمعات الاحزاب المعارضة "الفاشلة سياسياً" و في محيط قياداتها الاجتماعي.
و بفضل الثورة ارتقي من مرشح وزاري و من شخصية هامشية في الوسط المعارض "الفاشل سياسياً" الي رئيس وزارء، و تلك نقلة لا يمكن ان تتم الا بعمل يستند الي و مرفوع بالقوة الثورية.
و مع تسليمنا بما له من تأهيل و صفات ممتازة الا انه في المجمل كان اقصر من قامة الثورة و تضحياتها و انجازاتها و تسبب مع غيره في تقزيم الفعل الثوري، و كل ما تنسبه له طبقة معجبيه من جماعة شكراً حمدوك هي انجازات الثورة نفسها و ليست انجازاته هو، لكن خيل الثورة تجقلب و الشكر لي حمدوك !!
لم يكن حمدوك يعرف شئ عن الدرك الذي تردت له الدولة و اجهزة الحكم و حالة حكم اللاقانون ناهيك عن ان يملك تصور لمعالجة تلك المشاكل.. كان حمدوك يبدو كمغترب عاد لوطنه بعد عقود من الهجرة لم يزر فيها بلده و يظن ان الاوضاع فيه باقية علي ما تركه فيها !! و أظن (و لست آثماً في ظني) ان حمدوك لم يزر السودان قط منذ ان أحيل للصالح العام في ١٩٨٩ او ١٩٩٠م و ان زاره فربما كان ذلك في اطار اجتماعي ضيق و لأيام معدودات، فذلك ما دلت عليه الطريقة التي تصرف بها !!
كثير من الوزراء و المسؤولين الذين جري ترشيحهم في اعقاب التغيير ليسوا مغمورين و حسب بل ليس لهم اسهام يذكر في التغيير في أي مرحلة من مراحله!
خُذ يوسف الضي كنموذج؛ من هو يوسف الضي الذي عُين وزير للحكم الاتحادي (مسؤول الحكومة المكلف بشؤون الولايات و الذي شغل منصب والي مكلف للخرطوم لعدة شهور، و لم يستطع ان يستوعب مشاكل الولاية و اسقط امام اول اختبار و هو ازمة مواصلات الولاية و التي ما تزال قائمة حتي بعد تحرير سعر الوقود و تضاعف تعرفة النقل بنسبة هائلة) من هو و ماهي مؤهلاته ليكون في حكومة ثورة و ما هي انجازاته (معظم من جري اختيارهم و ترشيحهم كل مؤهلاتهم هي انهم دخلوا في حالة بيات داخل جهاز الدولة علي طريقة لا أسمع لا أري لا اتكلم !! او خرجوا من البلاد !!)
الاحزاب التي رفضت مبدأ حكومة الكفاءات المستقلة و ادعت ان الحال يستدعي كفاءات سياسية "حزبية"، فعل ذلك لتنفذ الي السلطة!
لكن أي هي كفاءاتها السياسية ؟ و اين هي مؤسساتها التي يمكن ان تكسب عناصرها تأهيل عملي بعد ثلاث عقود قضتها في المعارضة "العاطلة" ؟!!!
الطريقة التي اعتمدتها قحت في اختيار و الترشيح للمناصب هي نفس طريقة و اسلوب الناشطين الهواة!! اذ يعتبرون اي شخص نجح في حياته العملية "الخاصة" مؤهل لينجح في العمل العام !!!! و أي شخص درس في جامعة غربية مؤهل ليحكم!!! مع ان ثلثي قادة المؤتمر الوطني درسوا في جامعات غربية و يحملون درجات رفيعة جداً فهل نفع ذلك !!!!؟
الاعتقاد السائد وسط الناشطين و عامة الناس هنا ان أي شخص تلقي تأهيل في الغرب و عمل هناك او حتي تسكع وسط الغربيين فهو مؤهل ليقود هنا !!!
خذ ايضاً عمر مانيس و نصر الدين عبدالباري (المسؤول الأول عن الالتباس الدستوري العظيم و جدل الوثيقتين الدستوريتين! و المسؤول عن انقضاء فترة حكومة الانتقال قبل الانقلاب محكومة بوثيقة دستورية مجهولة البنود و النصوص و الشروط و الاحكام) و تاج السر الحبر و ابراهيم البدوي و غيرهم كثر نسينا حتي اسماءهم!! ماذا فعلوا للثورة قبل ان تنجح في الاطاحة بالمؤتمر الوطني و ماذا فعلوا لها بعد محاولة اجهاضها في ٢٠٢١ اكتوبر ؟؟ كلهم لزموا الصمت و عادوا الي بياتهم !!!!؟
البعض يكتفي بالعمل السياسي الطلابي في الجامعات كخبرة عملية لكوادره و عناصره!
مع ان الجامعات و المعاهد ليست اماكن لممارسة السياسة و لا اكتساب الخبرة السياسية، لكن بسبب سياسات القمع مثلت الجامعات فضاء بديل للنشاط الحزبي، لكن الاحزاب حولتها الي فضاء رئيسي !!
خذ حتي الناشطين حزبياً منهم (مريم و ابراهيم الشيخ و خالد عمر نصر الدين مفرح .. الخ) ما هي انجازاتهم و ما هي مساهماتهم !!!
سيقولون انهم اعتقلوا و سجنوا ..الخ هذا ليس كافياً فلوا ان الاعتقال و السجن كافي لاحتجنا لحكومة باضعاف سعة سجون و معتقلات كوبر و شالا و دبك و بورتسودان و (التلاجة) و بيوت الاشباح !! نريد اسهام ملموس و ايجابي و اضافة سياسية او وطنية لا تخطئها العين، الاعتقال هذا انجاز لجهاز الامن و ليس انجازاً للناشط و لا السياسي !!!!
و الاسهام في مقاومة حكم الانقاذ من يومها الاول و الي اليوم الأخير شرط كان علي (قحت) و تجمع المهنيين و غيرها من القوي التي تصدت لتمثيل الثورة ان تعتمده كشرط لتولي المناصب و ليس الاكتفاء بمبررات كمجرد الاحالة للصالح العام !!
لم تكتفي قحت بترشيح مسؤولين ليس لهم اسهام في التغيير بل أتت بمسؤولين لم يؤمنوا حتي بامكانية التغيير الثوري بل ظلوا يراهنوا علي التغيير الانتخابي! تخيلوا مسؤولين كانوا يترجون تغيير من انتخابات نافع علي نافع التي يعلم الصبي الذي في المهد انها لم تجلب تغيير !!!
صعود الاقزام علي اكتاف الثورة لن ينتقص منها لأن ما خطته هذه الثورة ظاهر للعيان (حتي لو انكره الذين اعادوا كل مفصوليهم من جهاز الدولة منذ ١٩٨٩م للخدمة بعد ثلاثة عقود و لازالوا يصرخون بلم تسقط بعد !!!)
فهذه الثورة ان لم ينصفها الحاضر سينصفها المستقبل فما حققته يستحيل تجاوزه لعقود قادمة بل و لقرون، كما سينصفها التاريخ الذي لا يري الا العظمة اما الاقزام فلن يراهم لتقزمهم.
تعليقات
إرسال تعليق