التخطي إلى المحتوى الرئيسي

التمكين و آثره الخطير .. و التفكيك عديم الفعالية

 مقابل كل شخص جري تمكينه هناك العشرات بل المئات تم استضعافهم.. 

و لقاء كل شخص تم وضعه في غير مكانه؛ و اسندت له مهام ليست من اختصاصه .. ثمة مصالح لآلاف المواطنين اضيعت و اهدرت.

ما فعله "الاسلامويون" في السودان لم يكن نهج معتاد مما تنتهجه الدكتاتوريات "المعاصرة" بل هو عمل غير مسبوق.. اذ لم يتوقف عند تصعيد الموالين و اسناد مهام جليلة و خاصة لهم في قمة جهاز الحكم انما إمتد الي عزل غير الموالين و "و طبعاً -من نافلة القول- المناوئين" !!

أسفر عن ذلك الضرر بجهاز الادارة و الخدمة العامة و اصابته بحالة فشل و عجز تام و شلل كامل و تخلي جهاز الدولة عن مهامه الاساسية و انصرافه لتثبيت حكم و "دولة التنظيم".

كما لم يتوقف ذلك عند جهاز الدولة انما امتد الي القطاع الاهلي و الاجتماعي و الخاص-الاقتصادي .. بحيث اسفر ذلك عن تخليق "مجتمع خاص مساند و موالي للسلطة و يعتمد عليها اعتماد الرضيع علي أمه !!"

هذا النهج أسفر عن انهيار منظومة الحكم "السياسة و الادارة و القانون" و قيام كنتونات و جيوب مرضي عنها و مقربة و أخري مغضوب عليها و ملعونة من السلطة! و لم تعد هناك قواعد قانونية "واحدة" و نهج سياسي عام يتبع في كل الحالات انما هناك نهج و قواعد خاصة بأهل الحظوة و أخري لغيرهم!

هذا لم يحدث حتي في أعتي الدكتاتوريات، ففي كل انظمة الحكم المعاصرة "الحديثة" سواء كانت ديمقراطية تستند لسيادة حكم القانون -الانظمة الغربية؛ او انظمة استبداد و قمع -الانظمة الشرقية "كلها" تعتمد علي قواعد قانون و نظرية سياسية تطبق علي الجميع علي قدم المساواة، و لا مجال فيها لحصانات و امتيازات خاصة و افلات من العقاب و المساءلة..

لا أثر حتي لنهج مماثل لسياسة التمكين في التاريخ القديم ايضاً، اللهم الا ما حدث مع نبي الله يوسف عليه السلام و الذي مكنه ربه و لم يمكنه الفرعون ( كذلك مكنا ليوسف ليتبوأ من الارض حيث يشاء )، نذكر ذلك للاسلامويين الذين أغرموا بتأصيل قراراتهم و لبحث عن سند لكل ما اقدموا عليه من سياسات خرقاء!!

فيما طبق الاسلامويين في السودان نهج افلات من العقاب واسع و امتيازات قانونية لا تقتصر علي قمة الجهاز انما تتسع لتشمل كل المحازبين و المؤيدين، هذا هو ما قاد الي انهيار حكمهم و منظومتهم بالسرعة التي تمت بها فيما كل انظمة الاستبداد "المعاصرة" تعمر الي اكثر من ستة الي سبعة عقود او حتي قرن من الزمان و قرنين و دونكم نظام انقلاب /ثورة يوليو المصرية (منذ ١٩٥٢م) و ملالي ايران (منذ ١٩٧٩م) و نظام الكوبي/الشيوعي كاسترو منذ منتصف القرن الماضي و شيوعيي موسكو منذ ١٩١٧ الي ١٩٩٠م

ان غاية التمكين لم تكن تحقيق المصلحة العامة (بعكس ما تشير سياسة الاحالة علي المعاش و الاعفاءات - للصالح العام) !!!

غاية التمكين كانت ضمان سيطرة جماعة و فئة محددة علي السلطة .. بسيطرتها علي المقدرات الاقتصادية و مواقع اتخاذ القرار "الامني و السياسي و الاقتصادي و القضائي" و توجيه كل تلك المقدرات لصالح بقاء جماعة في السلطة!

لذا فان ذلك التمكين بعد ان أضر بالمواطن و المجتمع و الدولة .. أضر كذلك في النهاية بالجماعة الحاكمة و التي ابتدعت التمكين نفسها!! 

اضر التمكين بتلك الجماعة لأن المؤسسات التي تمكنوا منها و فيها؛ عجزت في النهاية عن ان تكون مفيدة و قادرة علي القيام بواجبات السلطة! لذا رأينا كيف ان الجماعة اخذت تبحث في اخريات ايامها عن معالجات لذلك الجهاز الرسمي الفاشل (نموذج اعلانات و ظائف الخبرات في وزارة الخارجية)، و محاولة الاستعانة بعبدالله حمدوك وزيراً للمالية في ٢٠١٨م!

هذا فيما يخص الجهاز المدني للحكم، اما الجهاز العسكري و النظامي فان حاله انكي؛ فبعد ان اشتغلت فيه سياسات التمكين فصلاً و رفداً و تشريداً و تخفيضاً و اعداماً، تم تعويمه بمليشيات الدفاع الشعبي و الشرطة الشعبية و "القوات الصديقة".. وصولاً لابتداع قوي نظامية حكومية خارج الاطر النظامية المرعية و المعتبرة فكان الدعم السريع!!

كانت هناك انتقادات لنهج التمكين و محاولات اصلاح خجولة من داخل المنظومة الحاكمة البائدة نفسها لكن الضرر بجهاز الحكم كان قد بلغ مبلغ لا تجدي معه الحلول الترقيعية و التوفيقية و كان لابد من مواجهة او جراحة شجاعة..

و لأن الذين اخترعوا التمكين كانوا اضعف من ان يواجهوا نتائج افعالهم وقفوا مترددين حتي سقط النظام!

و بعد سقوط النظام لم تكن الحلول التي اقدم عليها الذين ورثوا السلطة بأفضل من حلول السابقين !!

من ورثوا السلطة ارادوا ان يحاربوا التمكين ب(قانون) مع ان التمكين نفسه لم يكن قانون انما كان نهج و سياسة و فرض امر واقع بقوة و عنف السلطة و الدولة لا بقوة قانونها !!

حاول واضعوا (قانون) تفكيك التمكين ان يصيغوا تعريف للتمكين الذي ينوون تفكيكه، لكن لأنه (التمكين) لم يكن قانوناً ابتداءا و بالتالي لم يكن فعل مُعرّف تعذر وضع تعريف يحيط بكل جوانب ذلك الفعل (التمكين)!

قولوا لي بالله هل فكر شخص في طريقة و اسلوب لمعالجة فساد الجهاز المصرفي الذي بدأ بتغيير العملة عام ١٩٩١م و لم يتوقف حتي الأن، تبديل العملة الذي اسفر عنه الافقار لكل القطاعات المنتجة و تحويل المال لجيوب المقربين عبر معاملات تمويل بلا ضمانات و غير مستردة؟!

 لذات السبب (عدم الفهم الصحيح لظاهرة التمكين) اتت ممارسة التفكيك ضعيفة من وجهة نظر سواد من تضرروا منه و معيبة من وجهة نظر من انتفعوا و استفادوا منه (التمكين) !!

الفكرة التي انطلق منها واضعوا قانون التفكيك كانت فكرة ساذجة و سطحية تقوم علي اعتقاد ان بمقدور نصوص قانونية مجردة ان تفي بغرض التعامل مع "ظاهرة أو جائحة" التمكين.. نصوص قانونية مجردة في بحر متلاطم من التشريعات التي جري سنها خلال ثلاثينية الانقاذ و تلك تشريعات لم يكن الغرض منها وضع أسس عامة انما فقط اعطاء السلطة سند قانوني لتصرفاتها!!

مع ان غرض القوانين في كل العالم و هدفها الأول هو تقييد سلطة الحكومة فان قوانين الانقاذ كان غرضها الأول هو تقييد المواطن! و اطلاق يد الحكومة!!

نصوص قانونية مجردة في بحر متلاطم من النصوص المعطلة و غير المفعلة لعدة اسباب اهمها ان السلطة التي كانت قائمة (و لا تزال ادبياتها و ارثها موجود) لم تكن سلطة حكم قانون انما كانت سلطة قانون القوة و الامر الواقع!

نصوص قانونية مجردة "قانون التفكيك" في هذا الحال لن تجدي نفعاً و فعلاً لم تجدِ ..

واضعي التشريع "التفكيك" من جماعة قوي الحرية و التغيير كانوا سذج و اغرار (بافتراض حسن نواياهم و حسن الظن من جانبنا) بينما كان حراس ارث النظام البائد في منتهي الخبث و المكر؛ لذا سارعوا في اجازة القانون الذي تقدمت به قوي الحرية و التغيير و سارعوا في اجازة التعديلات التي طلبوها ثم سارعوا كذلك في نشر الانتقادات له و تصويره علي انه قانون عزل سياسي و انتقام و تشفي .. الخ كما سارعوا لوضع العراقيل في طريقه بعدم اكمال هياكله و تعطيل عمل (لجنة الاستئناف العليا) !!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...