التخطي إلى المحتوى الرئيسي

التمكين و ابعاده .. و التفكيك و أدواته!

إذا أردنا ان نتعامل مع ظاهرة أو واقعة أو أي شئ فان فهم تلك الظاهرة أو الواقعة "أو الشئ" فهماً دقيقاً هو الخطوة الاولي للتعامل الصحيح و الناجع.. و الفهم الدقيق و الصحيح يقتضي تعريف ما نتعامل معه و ما نحن بصدده..

حتي بالنسبة للقوانين التي تشرع لتحكم جانب من جوانب الحياة و معاملاتها فان باب التفسيرات و التعريف يعتبر من اهم أبواب أو فقرات أي قانون..

فيما نجد إن التمكين (السياسة التي انتهجها النظام البائد) لم يجد حظه من الفهم الصحيح و الدقيق..

فالتعريف الذي تبناه قانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو و إزالة التمكين لم يكن تعريفا جامعاً مانعاً كما يقول فقهاء اللغة (جامع لمفرداته مانع لما سواه من الدخول فيه)!

فالتمكين لم يكن قاعدة بعينها و لا مبدأ بذاته و لا سياسة لها ابعاد معروفة تم شرحها و توضيحها.. التمكين كان شئ كالاستباحة! و الاستباحة فعل الغزاة حين يجتاحون ارضاً ليست لهم فيهدمون و يحرقون و ينهبون و يتملكون ما ليس لهم..

تعريف التمكين الوارد في القانون المشار اليه يركز علي الاستيلاء علي الوظيفة العامة الحكومية و الاستيلاء علي الجمعيات و المنظمات و الشركات و الهيئات ..

في حين ان تمكين الانقاذويين شمل السيطرة علي القطاع الخاص، و العمل بقدر الامكان علي الهيمنة علي المنظمات الدولية و حتي الشركات الاجنبية.. 

غاية التمكين كان تقوية مركز انصار النظام مالياً و اجتماعياً و اضعاف المعارضين او حتي "مجرد" غير الموالين؛ مالياً و اجتماعياً كذلك حتي يقوي نفوذ انصار النظام و يضعف نفوذ خصومه.

و عندما "تمكن" الانقاذيين من موارد و مقدرات السودان لم يتمكنوا في المستهل بقانون! فالقوانين لم تكن يوماً من ادوات الانقاذ.. بل تمكنوا بالقرارات الارتجالية، كان التمكين بالنسبة لهم سياسة عامة و توجه تنظيمي و توجه دولة.. كان فلسفة حكم و ادارة و فلسفة حياة!

احد مصائبنا ان العقل السوداني و العقل المعارض يظن ان الأمور كلها يمكن ان تنصلح بمجرد سن قوانين صالحة! و لا يعلمون ان تنفيذ القانون هو السياسة عينها و سن القانون في المبتدأ هو سياسة كذلك .. و ان كانت الأمور تنصلح بالقانون لاكتفي الناس بالمحاكم و القضاة و استغنوا عن الساسة و "التكنوقراط"!! و القانون لا يسن ليمنح الحكومات سلطات بل هدفه الرئيسي هو تقييد سلطة الحكومة حتي لا تتصرف بسلطة مطلقة وبلا رقيب!

اذاً علاج اثار التمكين لا يمكن ان يكون بقانون ازالة التمكين !! كيف سيتم تفكيك تمكين القطاع الخاص الذي حصل علي امتيازات و اعفاءات و تمويل لثلاثة عقود؟ و كيف سيتم تفكيك التمكين في الهيئات الدولية و المنظمات الأجنبية و حتي "السفارات"!!؟

تفكيك التمكين و ازالة ما ترتب عليه و تغيير الثقافة التي عززتها سنواته (التمكين هو سبب انتشار الرغبة في الثراء السريع و الكسب بلا سبب مشروع) لا يمكن ان يتم بقانون و لا ان تقوم به لجنة! بل يتطلب هذا انتهاج سياسة عامة باطار مفاهيمي جديد.. سياسة تستهدف تعزيز تساوي و عدالة الفرص و العدل بمختلف اوجهه "الي العدالة الاجتماعية" و تعزيز قيم الشفافية و النزاهة و المساءلة "و المساءلة الاجتماعية" و مكافحة الافلات من العقاب .. و صولاً لاعادة الاعتبار لقيمة العمل و الكسب الحلال و الانتاج.

للأسف بعض المسؤولين و السياسيين "الجدد" يعتقدون ان الشفافية و النزاهة و تساوي الفرص عبارات شاعرية تقال للتغني بها امام الجمهور لتحصد الحماسة و التصفيق! و ليس لها قواعد او ضوابط يمكن قياس مستوياتها به. هذه ازمة قائمة بذاتها و هؤلاء الساسة يمثلون نقطة ضعف في الانتقال الديمقراطي و في جهود ازالة التمكين نفسها.

و اذا لم يتحول خطاب تعزيز الشفافية و النزاهة و المساءلة و العدالة "الاجتماعيتين" الي واقع ملموس له اثر معاش فان التغيير في ذاته سيفقد أحد أهم ابعاده.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...