الشعب قام بما عليه واكثر، خلق تغييرا من العدم و قاده في ظروف بالغة التعقيد و حرجة للغاية قدم شهداء في كل مدينة، بل وفي كل حي وشارع هناك شهيد او جريح او معتقل، لذا لا يكافئ هذا العمل العظيم الا السعي الحثيث لتحقيق تطلعات هذا الشعب في اقامة اعمدة دولة القانون والمواطنة و المؤسسات المستقلة و تحرير اجهزة المجتمع المدني و آلياته من هيمنة الدولة باذرعها البروقراطية و الأمنية.
لا سبيل لتحقيق تلك الأهداف الا بالاصلاح العاجل لجهاز خدمة الدولة 'الخدمة العامة' بشقيه خصوصا 'هذا ما يعنينا هنا' الخدمة المدنية.
إصلاح الخدمة المدنية بعد ثلاثينة الفوضي التي انقضت 'و لا نريد علاجا علي طريقة الصالح العام الذي افتروا عليه' له مقتضيات و متطلبات هي:
اولا: فك الربط المتعسف بين العديد من الأجهزة الحكومية كربط الجمارك بالشرطة، وانهاء حالة فوضي وتداخل المهام والاختصاصات ( تأسيس الجيش والشرطة لجامعات -مدنية- خاصة بها، و خارج ولاية وزارة التعليم العالي و مستشفيات خارج سلطة وزارة الصحة! و تأسيس معظم الوحدات الحكومية لشركات تجارية و دوائر استثمار خاصة بها غير خاضعة لولاية المالية و لا المراجع العام! ) بما قاد لحالة نشوء دولة داخل دولة و امبراطوريات تدار بالموارد العامة و لمصالح خاصة!
ثانيا: اقالة اي موظف ضالع في عملية فساد مالي بائن او فساد اداري بعد التحقيق معه و استرداد ما بذمته من مال عام.
ثالثا: مراجعة ملف أي موظف للتأكد من سلامة اجراءات تعيينه من حيث الكفاءة والتأهيل والجدارة والتحقق من مقدراته في اداء وظيفته والقيام بمهامها الاساسية، واقالة من يتضح خلل في ملف تعيينه و اداءه.
رابعا: تفعيل سلطة الرقابة والتفتيش الاداري و تفعيل نظام البلاغات والشكاوي عند تقصير موظفي الخدمة العامة و تفعيل نظام المحاسبة و الجزاءات.. و استحداث نظام تحفيز و مكافأت للتشجيع علي رفع الكفاءة و الابتكار في تجاوز العقبات و حل مشاكل المتعاملين وتسريع الخدمة وتحسينها و زيادة الانتاج.
خامسا: تحديث الزمالات المهنية السودانية الحالية و الزام جميع الموظفين باجتياز تلك الضرورية للاجهزة التي يخدمون بها و تبني و استحداث زمالات جديدة، و تطوير مجالس التخصصات المهنية الحالية لتصبح اجسام مجتمعية/مدنية "جمعيات وطنية" تحظي باعتراف و دعم الدولة و تتمتع باستقلالية القرار و المالية.. و حث الموظفين علي موالاة التأهيل الذاتي (و في عصر التعليم الالكتروني هناك مؤسسات علمية عالمية مرموقة توفر كورسات مجانية متقدمة في عدة مجالات من ذلك موقع ايدكس و موقع كورسيرا و غيرها)، فالتأهيل اليوم لا يتطلب انتظار دور و الركون لبروقراطية الدولة انما يعتمد علي حيوية الفرد.
سادسا: تطوير "مركز تطوير الادارة" ليصبح اكاديمية وطنية فاعلة في رفع كفاءة موظفي الدولة في مدخل الخدمة و للتدريب المستمر، و تفعيل دور اكاديمية السودان للادارة العامة.
سابعا: تطوير تجربة الضباط الاداريين لتواكب تغيرات الواقع؛ وظيفة الضابط الاداري اخترعت للعمل الوثيق مع المواطنين و القيام بواجبات الدولة في الاقاليم و المحافظات "الارياف و النجوع" .. و مع تزايد مهام الحكومة و توسعها فان من الواجب إعادة تقييم هذه التجربة و النظر في ادماج قطاع الضباط الاداريين في جهاز الخدمة العامة المدنية بشكل اكبر و وضع وصف دقيق لمهام هذه الوظيفة و شروط الالتحاق بها بما يجعلها جزء من هيكل الخدمة المدنية و سلمها الوظيفي..
ثامنا: التأكيد علي عدم تسيس و تحزب الخدمة المدنية، بحيث لا يشغل اي موظف في الخدمة المدنية اي منصب حزبي مهما كان تافهاً، و حتي ان كان له انتماء حزبي (ميول سياسية) فعليه ان ينتبه فلا يؤثر ميله و يتسبب في اتخاذ أو عدم اتخاذ قرارات معينة، و لا يقع في محاباة طرف لغرض حزبي أو حرمان جهة من حق بسبب سياسي! فالخدمة العامة جهاز لخدمة المواطن بغض النظر عن توجهه السياسي و دون تمييز لأي اعتبار كان.
تاسعا: تبني نظام التطوع لرفد جهاز الخدمة العامة بالكادر المؤهل في حالة الحاجة في كل المجالات (التعليم، الطب العلاجي، الخدمة الادارية.. الخ) ذلك بتأسيس وحدة لادارة الخدمة التطوعية.
اخيرا: تبني مفهوم شامل للوظيفة الرسمية "خدمة الدولة" بحيث يتم تأهيل الموظف للقيام بعدة مهام في المؤسسة او المصلحة الحكومية التي يخدم بها، فعلي الموظف ان يحرص علي اكمال دورات في الاسعاف الاولي مثلا و دورات في القيام بادوار حفظ النظام و الأمن والضبط وتنظيم حركة المرور والقيام بالادوار الاولية لرجل الشرطة، و دورات في التعليم الاساسي بحيث يتأهل لتدريس احدي مواد المدارس الاساسية ويكون ترقيه متوقفا علي اجادة اداء تلك الادوار.
* نشر في يوليو 2019م
تعليقات
إرسال تعليق