التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!

   تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!
  في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند!
فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم.
سؤال الطلقة الأولي:
قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته انتشار النار في الهشيم؛ برز أناس يطلبون الناس بالإنصراف عن هذا السؤال! و يبررون ذلك بأن لا قيمة له!
هؤلاء هل يظنون أن هذه الحرب حرب الدولة و المؤسسات الدستورية ضد اعداء الدولة و مؤسساتها الدستورية؟!
بل هذه الحرب امتداد لحروب من لا يحسنون الحكم و الهيمنة الا في ظل حرب تقسم المجتمع و تسهل السيطرة عليه؛ تلك حروب تنشر المخاوف و تغذي الهواجس الحقيقي منها و المتوهم؛ حروب في بداياتها تبدو بلا افق للتسوية لكن نهاياتها دوماً تسويات ترضي المتقاتلين و تشجع غيرهم علي سلوك سبيل العنف!
ان سؤال الطلقة الأولي يبقي هو اهم سؤال.. و لابد من تحقيق شامل و شفاف طال الطريق او قصر.
قصار النظر و من لا بصيرة لهم بخبايا السياسة و السلطة يرون ان الحرب بدأت في ١٥ ابريل ٢٠٢٣م؛ بالنسبة لهؤلاء فان رواية الانقلاب "انقلاب الدعم السريع" رواية معقولة مقبولة؛ و رواية التمرد "تمركز قوة من الدعم السريع قرب مطار مروي دون إذن و موافقة الجيش" كذلك رواية محقة..
هؤلاء لا يعرفون و لا يهمهم ان يعرفوا موقع الدعم السريع من معادلة القوة (و السلطة) في السودان؛ و لا تاريخ تأسيس تلك القوة و علاقتها بالجيش و قانونه و رئاسة الجمهورية و المادة الخامسة من قانونها "المادة التي عدلها عبد الفتاح البرهان دون ان يستشير أحد".. و لا الادوار التي اسندت لها منذ انشاءها و حتي انتشارها لاول مرة في الخرطوم سنة ٢٠١٤م (الانتشار الذي بسببه سجن زعيم طائفة الانصار و رئيس حزب الأمة الراحل الصادق المهدي و نفي من السودان نفياً اختياري)! و لا علاقتها بالاتحاد الاوروبي في مجال مكافحة الهجرة غير المشروعة فيما عرف بعملية الخرطوم، و لا علاقاتها و ادوارها الاقليمية (حرب اليمن).
كما ان هؤلاء لا يعرفون شئ عن التحريض علي الحرب و الذي تكاثف قبل سنتين علي الاقل من انطلاقها الفعلي..
ان حسم سؤال الطلقة الأولي يبقي هو المهمة الأساسية لما بعد الحرب مهما كان المنتصر.. فالضحايا و الخسائر الجسيمة التي حاقت بالدولة و الشعب لا يداويها الا تحقيق عادل و شفاف.. و ان الاستهانة به عمل وضيع يجب الكف عنه.
حتي ذلك الحين (الاجابة عن سؤال الطلقة الأولي) عبر تحقيق معتبر .. دعونا ننظر في:
ما هي نتائج حرب "الكرامة" حتي الأن؟
و كيف عاد التنظيم المحلول بأمر الثورة و بقانون وقعه البرهان (تفكيك التمكين) كيف عاد الي صدارة المشهد بعد الحرب و بفضلها؟
و كيف عادت الحركة الاسلامية (ذلكم الكيان الذي لا يعرف احد ما طبيعته و لا علي أي شرعية يستند وجوده) لتدير الدولة و بمؤسساتها الأمنية و العسكرية؟
و كيف تحولت المليشيا من قوة يسيطر عليها الاسلاميين منذ نشأتها و حتي ١٥ ابريل الي كيان يوصف بأنه جناح عسكري لتحالف قحت؟!
و كيف اصبحت المليشيا التي اسسها الاسلاميون و غذوها بعناصرهم (من الامن و الجيش و الخدمة المدنية و الحزب..) و نحن نعرف حسب معلومات صرح عنها الجيش ان نحو ٤٥٠ ضابط جيش "و كلهم -علي الاغلب- من الاسلاميين" انسلخوا عنها و عادوا الي الجيش بأوامر منه؛ لكن ما لا نعلمه هو عدد الضباط الاسلاميين الذين عصوا الاوامر لأنهم اضافة الي كونهم اسلاميين هم "عطاوة كذلك او جنيديين" او او او .. كيف ان هذه المليشيا التي خدمت الاسلاميين و خدمت مشروعهم لاكثر من عشرين سنة! كيف اضحت بين ليلة و ضحاها جناح عسكري لتحالف قحت؟
و كيف تحولت قحت بين ليلة و ضحاها الي جناح سياسي لمليشيا الجنجويد؟
كيف؟ و ابرز مستشاري قائد المليشيا -حسبو عبدالرحمن- هو نائب سابق للبشير في الرئاسة و الحزب و الحركة ؟ و ابرز جنرالات حربه -اللواء عثمان عمليات- هو احد الضباط الاسلاميين في جيش البشير-البرهان؟!
هل انضم حسبو و عثمان لقحت كذلك؟
ان الاسلاميون و عقب فشلهم في اجهاض مطالب التغيير التي بلغت مرحلة الاكتمال في ١١ ابريل ٢٠١٩م قلبوا خياراتهم كلها و لم يجدوا خيار غير اشعال حرب داخلية جديدة تعيد خلط الاوراق و تعيدهم لتصدر المشهد من جديد..
و لاشعال حرب جديدة تجد القبول كان لزاماً عليهم اختيار عدو يجمع الناس علي عداوته فلم يجدو افضل من مليشيتهم "الدعم السريع" فهو عدو جاهز لقطاع كبير من الشعب .. لذا قرروا ان يصعدوا علي ظهر موجة "الجنجويد ينحل.."
و لاعداد المسرح لحرب ضد الجنجويد قرروا انهاء الحروب القديمة؛ فكان سلام جوبا الذي انخرطت فيه قوي الثورة دون تبصر .. بل و انخرط فيه حتي قائد الجنجويد نفسه، فكان كمن يعد السكين ليُذبح بها و الوقود ليُطهي عليها!!
الحكومة الانتقالية و قائد الجنجويد انخرطوا في مفاوضات جوبا بلا اجندة خاصة بهم بينما مررت الحركة الاسلامية عبر عناصرها في الجيش و المخابرات اجندة التحالف في الحرب الجديدة ..
كذلك كان لابد من اشعال حرب مع الجارة اثيوبيا لكسب دعم للجيش باعتباره "حامي الحمي" و يكون تمهيداً لسند شعبي في الحرب الداخلية..
كذلك كان لابد من الانقلاب علي الحكومة الانتقالية و اخراجها من المشهد مؤقتاً حتي لا يكون لها تأثير في قرار الحرب تمهيداً لاخراجها من المشهد كله بعد الحرب (و أثناءها ايضاً) و للمفارقة كان الدعم السريع كذلك جزء من قرار الانقلاب و من تنفيذه و لا يدري انه مستهدف كذلك من الانقلاب!
ان القضاء علي الدعم السريع ليس هو الهدف الرئيسي للحرب انما هو وسيلة لها؛ فالغاية هي اجهاض التغيير و الثورة و اقصاء القوي التي تمسلها من الحكومة الانتقالية الي لجان المقاومة مروراً بقوي اعلان الحرية و التغيير بمختلف فصائلها (المشاركة في الحكومة الانتقالية او حتي التي اعتزلت المشاركة).
ان القضاء علي الدعم السريع كان عند الاسلاميين بمثابة التضحية بالجنين "المليشيا" لتسلم الأم و التضحية بالأم "الجيش" ان لزم الأمر ليفوز الأب "المؤتمر الوطني" بالسلطة ..
و لأن الغاية؛ كما سبق و بيّنا؛ كانت هي القضاء علي الثورة كأكبر مهدد لسلطة الاسلاميين فانهم يمكن ان يصلوا لتفاهم مع المليشيا متي ما ضمنوا ان تهديد الثورة لم يعد قائماً..
ان هذه الغاية (وأد التغيير) لن تتحقق بدحر الدعم السريع في ساعات او ايام؛ لذا كان لابد من حرب طويلة تقلب المشهد السياسي رأساً علي عقب و تعيد موضعة اللاعبين فيه.. قلة في صفوف الجانبين يعرفون ذلك (كرتي في جانب الجيش و حسبو عن جانب المليشيا) و هؤلاء هم من تلقوا السيناريو من رعاة الحرب و عرابوها الاقليميين و الدوليين .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...