الدولة السودانية كانت اهم مخدم وهي لاتزال اليوم اكبر مخدم.. وموظفي الحكومة عبر التاريخ كانت لهم الكلمة الفصل في بقاء اي حكومة او سقوطها وفي استمرار اي نظام او رحيله.
الملاحظ ان نقابات عمال وموظفي الحكومة طوال عهود البشير لم تحرك ساكنا حيال الغلاء او اي سياسة اقتصادية او هزة اجتماعية، ماهو سبب ذلك!؟ صراحة لا املك اجابة.
ربما عدة اسباب ادت لتواطؤ العمال في القطاع الحكومي مع الدولة منها مثلا
1/ ان معظم العاملين الأن شغلوا الوظائف او بقوا فيها بسبب انهم موالين للتنظيم الداعم للسلطة في ظل سياسات الصالح العام التي قضت بفصل و"تطهير" جهاز الدولة من اي عنصر غير موالي للتنظيم، وسياسة التمكين التي بموجبها تم توظيف اشخاص لسبب وحيد هو ان التنظيم يريد توظيفهم! وحتي الذين لا انتماء سياسي لهم اضحوا وحرصا علي وظائفهم يمتنعون عن ابداء اي ممانعة او رفض للسياسات الحكومة.
2/ الحكومة وعلاوة علي سيف التطهير والفصل من الخدمة حرصت علي تقديم مغريات وحوافز لعمالها بهدف عزل اؤلئك العمال والموظفين عن المواطن العادي، فمثلا الموظفين في الغالب يتمتعون بخدمة التوصيل من والي المنزل وبالتالي لا يعانون ازمة المواصلات المستفحلة وغلاء فئات النقل، كذلك تقدم لهم الدولة سلة من السلع الغذائية فيما يعرف ببرنامج قوت العاملين في الدولة ما يجعل الموظف الحكومي في معزل من ضوائق المعيشة، اضافة لحزم اخري في مناسبات موسمية عديدة منها "كيس الصائم" والذي يوفر مجموعة من السلع المهمة في شهر رمضان كالسكر والدقيق والزيت والتمر ..الخ و "حقيبة المدارس" مع بداية العام الدراسي و "خراف الاضحية" في موسم عيد الاضحي. هذا علاوة علي سلع منزلية كمالية عديدة كالاجهزة الكهربائية وخلافها بالاقساط المريحة جدا. وتصل تلك الفوائد حتي خدمات رياض وحضانة الاطفال لاطفال العاملين بأجهزة الحكم. وكل تلك السلع والخدمات اضافة لكونها تعزل موظف الدولة عن المواطن "العادي او الاهالي" وعن الوضع المعيشي العام فهي ايضا تمثل رشاوي تضمن سكوت الموظف. وهي خدمات وبضائع تقدم في الغالب عبر نقابات وجمعيات العمال بمعني انها حولت تلك النقابات وغيرت طبيعة وظيفتها من التصدي للدفاع عن حقوق العمال "والمواطنين" ايضا لتصبح تاجر تجزئة او تاجر شنطة و دلالية ايضا!
3/ تلك الرشاوي تصل احيانا للتكفل بنفقات الحج كذلك كما انها تشمل التأمين العلاجي ما يضمن عزلة كاملة وتصبح معه الوظيفة الحكومية امتياز لا يحرص عليه الموظف فحسب بل يحرص علي بقاء الوضع القائم الذي يضمن له هذه الامتيازات ما يجعل طبقة عمال الدولة اشبه بطبقة ارستقراطية بينما المواطن العادي في وضع اقرب لطبقة عبيد و منبوذين.
ان سياسة معركة كسب البطون والجيوب التي تتبعها الانقاذ مع كادر السلطة المدني "والعسكري ايضا" ظلت تعمل بكفاءة منذ 1989م وحتي اليوم! لكن مع كلفة تلك السياسة علي التراب الوطني والنسيج الاجتماعي ومع تنامي حالة التذمر الشعبي وفي ظل انهيار وشلل تام للاقتصاد والاسواق فان الشكوك بشأن فعالية تلك السياسة ستكون بديهية، وستساور الكثيرين من داخل السلطة نفسها، فقط تحتاج الامور لسياسي ماهر ينظم خيوط ازمات السلطة وعقدها في سلسلة واحدة ويسحب ايها فتنقاد.
اما عند توقع افلاس السلطة والظن بعدم قدرتها علي الوفاء بالرشى القديمة فان سقوطها من تلقاء ذاتها -سقوطها من داخلها سيكون هو الخيار الذي لم تتحسب له ولم ينتظره احد!
دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...
تعليقات
إرسال تعليق