التخطي إلى المحتوى الرئيسي

انقسام الناصر الثاني: صراعات وسلام جنوب السودان


يوم الجمعة الماضي 5يناير وقع هجوم ببلدة قرب عاصمة جنوب السودان جوبا يمثل خرق لاتفاق هدنة استمرت لعشرة ايام!
وكان قد تم التوصل للهدنة بعد مفاوضات ووساطة افريقية باديس اببا دخلت حيز النفاذ في الاسبوع الأخير من العام الماضي 2017م! بأمل ان تنهي حرب اهلية استمرت لاربع سنوات واندلعت في ديسمبر 2013 م بعد نحو عامين من انفصال الجنوب عن جمهورية السودان في يوليو 2011م.
اذا كانت حرب انفصال الجنوب هي حرب طموحات النخب السياسية الجنوبية بغطاء ايدولوجيا "الجهاد/الحرب الصليبية المسيحية" وحرب الافريقانية ضد الاستعراب! فان حرب الجنوب الاهلية هي حرب طموحات سياسية لكن ببعد عرقي/قبائلي غير خافي، فطرفا الحرب هما الرئيس سلفاكير الذي يدعمه الجيش "الحكومي" والذي عماده المليشيات التي قاتلت الحكومة المركزية السودانية لنحو خمس عقود والمدعوم من عشائر قبيلة الدينكا من جهة، ونائب الرئيس السابق الاكاديمي والمهندس رياك مشار الذي تدعمه فصائل عسكرية منشقه تتكون بصورة رئيسية من قبيلة النوير.
ومعارك 2013 ليست اول صدام بين الطرفين بل هو امتداد لقتال اندلع قبل انفصال دولة جنوب السودان بما يربو علي العقدين، حدث ذلك تحديدا في اوائل التسعينات حين انشق فصيل من قادة الحركة الشعبية وخرجوا عن طوع مؤسسها جون قرنق.
كان الغطاء حينها دعاوي التحرير الانفصالي ضد دعاوي "التحرير الوحدوي"!
ذات اطراف انقسام الناصر هم من يتولون تحريك احداث انقسام الدولة حديثة النشأة، ورغم ان تيار جون قرنق كان المفضل لدي الدوائر المخابراتية والسياسية العالمية حينها "وهو التيار الذي يمثله بصورة رئيسية اليوم الرئيس ميار ديت" الا ان نائب الرئيس مشار كان ولا يزال هو الحليف الحقيقي لتلك الدوائر، ان ان دعم تيار قرنق كان لاعتبارات عملية ليس الا، ولتوريطه واستغلاله في تحقيق وتنفيذ اجندة تلك الدوائر وبات واضحا انه باقرار اتفاق السلام الذي يرسم خارطة الانفصال فان دور قرنق شخصيا قد انتهي وتم اقصاءه عن المشهد بحادثة طائرة الرئاسة الاوغندية، اما بعد نجاح مخطط الانفصال فان كل تياره بما في ذلك نائبه ميار ديت قد استنفد وجاري الإستغناء عنه!
ان حرب 2013م التي تدور رحاها حتي الأن برغم محاولات ايقافها ما هي الا تداعيات وهزات ارتدادية لحرب ولعنف حرب ما قبل الانفصال؛ انها تداعيات حرب التحرير!
هي حرب تصفية الحسابات القديمة بين خصوم قدامي، حرب من الماضي، لذا ستستمر الي ان يفني احد الطرفين الاخر. لتبدأ بعدها حرب الحاضر ومستقبل الدولة والأمة الناشئة! حرب متطلبات بناء الدولة الجديدة، وماتقتضيه من قطع علائق و وشائج سياسية واقتصادية تأسست ابان صراعات التحرير والسيطرة اثناءها، ليتثني بعدها تأسيس صلات و وشائج سياسية واقتصادية جديدة تعين علي تمكين بناء اجهزة دولة حقيقية قادرة علي البقاء والتطور.
يعني هذا ان امام دولة الجنوب مخاضة طويلة من الدماء والاشلاء عليها ان تعبر فوقها لتصل الأرض الثابتة التي يمكن ان تتأسس عليها اجهزة دولة ويقوم عليها مجتمع متحد ثابت الاقدام.
لم يكن ذلك قدر لا مفر منه لكنه نتيجة خيارات الاباء منذ جوزيق لاقو مؤسس اول حركة تمرد في الاقليم، الي جون قرنق مؤسس الحركة التي قاتلت وفاوضت علي الانفصال، انتهاءا بميارديت و مشار اللذان يتقاتلان اليوم.
ما من وسيط قادر علي فعل شئ لوقف انهار الدماء وبراكين العنف في جنوب السودان، فامريكيا ومن خلفها دول غربية مثلت دور القابلة لتسهيل عملية الميلاد، عجزتا عن فهم طبيعة الصراع لعجزهما عن فهم طبيعة الناس والتاريخ في هذا الجزء من افريقيا، ولا اثيوبيا التي حاولت كثير ان تلعب الدور الحاسم في صراعات السودان 'سلما وحربا' لكن يعوزها ايضا الفهم والقدرة المادية وحالتها الداخلية. ان الطرف الوحيد القادر علي لعب الدور الحاسم في صراعات الجنوب ( وكل صراعات القرن الافريقي والحزام السوداني ) هو السودان لكن السودان الان غير راغب في ذلك بسبب حكومته التي تسيطر عليها فئة لا تحركها الرؤية الاستراتيجية انما الاطماع الايدولوجية والاهواء الشخصية وايضا الاوهام والمخاوف، والسودان كذلك غير قادر لذات الاسباب المذكورة ولما اصابه من ضعف واجهاد نتج عن عزلة دولية و صراعات داخلية كان من بينها عملية ميلاد الجنوب نفسه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...