التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حق العمل بين القطاع الحكومي و الخاص و المنظمات الوطنية والاجنبية والاممية

لسوق العمل ايا كانت الاوضاع المحيطة به قواعد تحكمه وتحدد اولويات المخدمين و المستخدمين و اسس ومعايير اختيار كل منهم للآخر..
ان كانت السوق رأسمالية و 'حرة' كما يقال فان معايير الكفاءة لأداء العمل علي افضل وجه تكون هي الحاكمة وان كانت السوق اشتراكية 'اقتصاد اشتراكي' فان المعايير تكون شيئا من الكفاءة مع مراعاة حاجة الباحثين عن العمل .. الخ
اما ان كانت السوق 'لاإقتصادية' مثلما هو الوضع هنا فان المعايير 'ان وجدت' فلا يكون لها صلة بالاداء ولا علاقة بالكفاءة ولا الانتاجية ولا المعرفة انما الولاء السياسي او القرابات الاسرية الضيقة .. الخ
ومعلوم ان سوق العمل الحكومي سادت فيه في العقود الثلاثة الماضية سياسة التمكين التي قضت بفصل كل من لا يدين بالولاء للتيار السياسي الحاكم مهما كانت خبرته ومعرفته و تشغيل من لهم صلات تنظيمية في كل الوظائف و المواقع بغض النظر عن معرفتهم بطبيعة تلك الوظائف من عدمها.. وضرب بقوانين الخدمة والعمل ولاوائحها عرض الحائض، وما عاد العمل حق 'هو حق انساني قانوني تنص عليه كل معاهدات حقوق الانسان الأممية و كل الدساتير والقوانين الوطنية و تسهر المحاكم والهيئات شبه القضائية علي صيانته واحترام قواعد القانون بشأنه'.
وبما ان سوق العمل الحكومي هو الاكبر في السودان 'وفي غيره من معظم الدول' فان القواعد الحاكمه فيه تسربت الي القطاع الخاص و كل قطاعات سوق العمل الاخري! اصبح العمل ميزة ومنحة اكثر من كونه حق .. ومن يحصل علي فرصة عمل او وظيفة ينظر اليه علي انه من المحظوظين هذا ان لم ينظر اليه علي انه من اهل الحظوة. في معظم القطاعات ما عاد لعمل العامل قيمة، فمن يبحثون عن تقديم خدماتهم كثر والفرص متقلصة والمخدمين لا تعنيهم مؤسستهم خاصة ان كانت حكومية فمع تضعضع الثقافة الاقتصادية وتنامي النشاط الهامشي ذي العوائد السريعة والعالية و تنامي غسيل الاموال وغيرها من الانشطة المحرمة .. لا يكون لقيمة العمل الجدوي ولا لمهارة العامل جدوي، هنا يصبح العمل جائزة ومنحة تمنح للمقربين واهل الحظوة..
وللأسف ما عاد هذا حصرا علي مؤسسات الحكومة بل تعداها للقطاع الخاص الوطني وللاستثمارات الاجنبية بل ووصل حتي المنظمات الاممية والدولية والسفارات، وتعداها الي عقود العمل بالخارج، فربما يكون السودان من الدول القليلة التي تباع فيها عقود العمل 'بالخليج'. تلك العقود المصاغة بنظام الكفيل والذي يجعل العامل اقرب ما يكون للعبد :وقوانين العمل سنت اصلا لحماية العامل لأن العمل يحتمل ان يتحول لنوع من السخرة والعبودية'. ان شراء عقود عمل الكفالة يعتبر بمثابة شراء الشخص لسيد يستعبده!! وهذا ما لم يحدث حتي في اشد حقب التاريخ الانساني حلكة!
اليوم اضحي سوق العمل السوداني خاضع لمحاصصة علي من يبحث عن عمل ان يوائم نفسه معها ويبحث عن موطئ قدم لنفسه علي ارض المحاصصة هذه، فوظائف الحكومة اضحت حكرا لعناصر المؤتمر الوطني 'وهناك افتراض سائد علي نطاق واسع بأنها -عناصر الوطني- تنحدر من نهر النيل والشمال والجزيرة نوعا ما' بينما وظائف المنظمات الاممية والدولية اضحت حكرا علي عناصر الأحزاب المعارضة وعلي رأسها الحزب الشيوعي ثم عناصر المناطق التي توصف بالمهمشة لا سيما الموالين او المسنودين من رموز الحركات التي تحمل السلاح اضافة لقطاع مهم يمثل العناصر التي كانت بحكم موقعها ومركزها الاقتصادي الممتاز 'البرجوازية' قادرة علي تأهيل نفسها علي اعلي مستوي وبالنسق الغربي. وبينهما كانت شركات القطاع الخاص والتي تنوعت فيها الفرص بين علاقات القرابة او الصداقة و فئات البرجوازية حسنة التأهيل والتدريب..
وبين هؤلاء و اؤلئك وفي اتون عجلات هذه المعايير والتصنيفات غير العادلة كان علي فئات عديدة لم تجد نفسها تحت حماية اي لافتة من تلك اللافتات السياسية او الجهوية ان تكابد الأمرين من اجل الحصول علي فرصة عمل و اضحت فئات كبيرة ايضا تحت وطأة البطالة التي لا ترحم بعبئها المادي والنفسي الرهيب.
ان تصحيح بيئة العمل و تصحيح علاقات سوق العمل وقوانين التشغيل ليست مأمولة في مثل ظروف السودان هذه لأنها لا تمثل اولوية لأي من القوي السياسية المتصارعة ولأن القواعد 'المحصصات' المرعية حاليا مقبولة ومرضية لهم جميعا!! لذا وما لم تحدث ثورة تهز قناعات الجميع سياسيين واقتصاديين؛ عمال واصحاب عمل .. الخ فإن الصيغ الحالية ستسود لأمد قد يطول.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...