لا يمكن لمشروع اجتماعي او سياسي او مذهبي-ديني ان يزدهر و يسود مالم تتوفر له حاضنة اجتماعية تقبله و تحتويه و تمده باسباب الحياة والبقاء..
هذا بالضبط ما حدث مع جماعة الاسلام السياسي في السودان بمختلف تياراته من الأخوان المسلمين و حتي جماعات التكفير.. فقد مثل مجتمع فعل به الطائفيون والصوفية فعلهم؛ تلك الحاضنة..
المجتمع السوداني ليس صوفيا في ذاته لكن بطبيعته المحبة للمتدينين والمتسامحه تقبل الصوفيين والطائفيين و احتضنهم حتي تغولوا و تقولوا عليه؛ واصبحوا عالة و معوق لنهضته، واحتضنوا كل شارد و وارد وكل منفي و مطرود..
الاسلام الحركي وردنا من مصر حيث كان مضيقا عليه منذ اربعينيات القرن الماضي، مشكوكا في ولاءه لمصر كوطن بل ومتهما في وطنيته بالتخابر والعماله للمستعمر الانجليزي؛ اذ رغم انه تشكل في العام 1928م الا انه لم يقم بأي فعل ضد الاستعمار و لم يناهض السلطات الا بعد جلاء الانجليز!
جاءنا الاسلام الاخواني بهذه الصفات و وجد في البيوتات الصوفية ضالته فتغلغل فيها ثم انقلب علينا ليدمر كل ما لنا! و وقفنا عاجزين عن ردعه بل و محتارين نتساءل من اين أتي هؤلاء؟!
وجد الاسلام الحركي مجتمع بسيط و مفتوح علي كل غريب فطفق ينسج التعقيدات و يستغلها لتقييده و تكتيفه وشل حركته!
وطفق يسد نوافذه ومنافذه نافذه بعد نافذة و بابا بعد باب و نفاجا بعد آخر!
وجد مجتمع بلا اوتاد وبلا ثقل اجتماعي و سياسي وقانوني ( كالطرور علي سطح الماء ) فأخذ يسوقه ناحية الامام تارة و باتجاه الخلف تارات و نحو اليسار حينا و نحو اليمين احيانا.. ونحن نسير حيثما وجهنا دون ان نسأل حتي مجرد تساؤل، الي اين؟ ولماذا؟!
لم يجد الاسلامويين الحركيين أي صعوبة في توجيه المجتمع و ( صياغة ) مفاهيمه و قيمه وفق هواهم و مصالحهم لأن النخب المقتدرة جبنت و اختارت الهروب او السكوت و كأن الأمر لا يعنيها..!!
اختارت النخب السياسية الهروب عبر بوابات اللجوء السياسي فأخلت الساحة للاسلامويين ( جماعة الاسلام السياسي ) و تفرقت في اقطار الأرض من أقصي الشرق ( نيوزلاندة ) الي اقصي القرب ( ولايات الساحل الغربي الأمريكية المتحدة ) ونسي بعضهم ما يحدث خلفهم بينما اخذ البعض يتابع بين الفينة والأخري متابعة سلبية لا تتجاوز الاستغراب و التحسر.
اختارت بعض النخب السياسية سلامة السكوت بينما اختارت البعض (الاندغام) في دولة الاسلامويين بحثا عن مصالح خاصة وشخصية و (سعيا وراء دنيا يصيبها او إمراءة ينكحها) .. !
دانت الامور لسلطة الاسلامويين واستكانت الجموع، فطفقوا يهدمون ويشيدون ثم يهدمون ما شادوا!!
و لأنهم استلموا دولة مجتمع خفيف الوزن ارادوا ان يضعوا ثقلهم؛ فسعوا لارساء دعائم طبقة وسطي خاصة بهم بعد ان شتتوا شمل الطبقة الوسطي القديمة .. والتي وجدوها غضة لم تترسخ مؤسساتها بعد انما كانت مجرد بيوتات وائتلافات مصالح وعشائرية في الغالب او اجيال ( مدينة ) او (مدرسة) او ( دفعة ) عسكرية؛ وتلك مؤسسات انتقالية من مرحلة البنية القبائلية الي بنية المجتمع المدني الحديث.. لم تكتشف ذاتها بعد وتعي مصالحها و احتمالات الصراع المستقبلية سياسيا علي وجه التحديد؛ ولم تخلق و تنشئ مؤسسات تحمي مصالحها (مؤسسات سياسية كانت او قانونية او اعلامية وثقافية ) كالأحزاب او مراكز البحث والصحف.. الخ
لكن لأن الطبقات الاجتماعية لا تنشأ بقانون و لا تتخلق بقرار رئاسي انما هي نتاج تراكم معارف وتقاليد وثروات لعقود طويلة؛ لذا فان افراد الطبقة الوسطي القدامي لن يكفوا عن لعب دورهم الاجتماعي بين ليلة وضحاها، بل يحتمل ان يعاودوا ممارسة تأثيرهم بين فينة واخري متي ما استطاعوا،
كما ان افراد الطبقة الوسطي الجديدة و متي ما اكتمل انتسابهم للطبقة فمن المرجح ان يضعف ولاءهم السياسي للتنظيم الذي اوجدهم وللحكومة التي دعمتهم بل سينمو لديهم وعي بمصلحتهم وانتماء لطبقتهم الاجتماعية ( الجديدة )! وسيتصرفون وفق اسلوب افراد الطبقة الوسطي و يلعبون دورها التاريخي المقرر و الذي تمليه قوة اكبر وسلطة اعلي من سلطة الدولة والتنظيم؛ هي سلطة المجتمع الانساني..
هؤلاء اذا لم يأتوا من بعيد انما أتوا من ذات الفراغ الذي يشغلونه حاليا!
دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...
تعليقات
إرسال تعليق