يقول علماء الطبيعة والأرض ( جيولوجيا ) ان البحر الأحمر (عرف قديما ببحر القلزم و بحر الحبشة) هو احدث بحار العالم تشكلا، وان المسافة بين ضفتيه كانت اقرب (ابعد اتساع في الوقت الراهن يبلغ طوله 400 كيلومتر والاقرب يبلغ 26 كيلومتر فقط في منطقة باب المندب) وهذا يعني ان الجزيرة العربية و منطقة القرن الأفريقي وشمال شرق افريقيا كانتا رقعة جغرافية واحدة يوما ما قبل ان تعزلهما المياه، وحتي بعد ذلك فإن القوارب خلقت دوما صلة اتصال وثيق بين قاطنيها..
كما ان هناك ادلة عديدة علي ان سكان المنطقتين يتحدرون من أصل واحد كما ان عائلة لغوية واحدة تنسب اليها معظم لغات الاقليم (العربية، والامهرية، والارومية، والتقرية، والعفرية، والعبرية.. )
الدليل التاريخي علي ذلك هو التداخل السياسي و السكاني بين ممالك اليمن التاريخية و ممالك القرن الافريقي ( الحبشة ) و فهناك عدد من الملوك الاحباش حكموا اليمن و رقعة واسعة من جنوب شبه الجزيرة قبل الاسلام، وقصة الملك ابرهة الحبشي التي تروي عن اقامته لكعبة اليمن 'القليس' و سعيه لأن تكون محجا لكل الناس و محاولته هدم الكعبة في مكه حتي يحمل الحجيج الي 'كعبته' معروفة.
كذلك قصة الشاعر والفارس (عنترة بن شداد العبسي ) احد اصحاب المعلقات ( اعظم اشعار العرب و يقال انهم من تعظيمهم لها كانوا يعلقونها بالكعبة ) معروفة؛ وهو من اصول حبشية من جهة امه.
ايضا حلف الاحباش الزراع الأمني والعسكري الذي كانت تعتمد عليه قريش في حماية مكة و تجارتها و مكانتها الدينية قبل الاسلام قصته متداولة،
بعد الاسلام تطالعنا قصة الصحابي و مؤذن النبي ( ص) بلال الحبشي و رحلته من الرق الجاهلي الي الحرية وقصة اسلامه و تعذيبه وصموده وهو اول مؤذن ينادي للصلاة في الاسلام.
كذلك فان قصة الهجرة الأولي للمسلمين معروفة وقد هاجروا الي الحبشة والتي ( بها ملك -النجاشي- لا يظلم عنده احد ) و تعرف الحبشة عند المسلمين بأنها دار الهجرة الأولي (هجرة الصحابة) بينما المدينة المنورة ( مدينة النبي) هي دار الهجرة الثانية (هجرة النبي و الخليفة ابوبكر الصديق).
هاجر المسلمين الي الحبشة في رحلتين الاولي كانت في شهر رجب وبها نحو اثنا عشر صحابيا و في الثانية ثمانون صحابيا، و مكثوا بارض الحبشة لقرابة العقدين و قد مات بها بعض الصحابة و دفنوا فيها و ولد فيها بعضهم، ومن ابرز الصحابة الذين هاجروا للحبشة الخليفة الرابع سيدنا عثمان بن عفان و سيدنا جعفر بن ابي طالب الشهير بجعفر الطيار ( ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام ) وسعد بن ابي وقاص و مصعب بن عمير و الزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود و ابو موسي الاشعري.
معلوم ان الانسان لا يهاجر طلبا للحماية الا لأقرب مكان الي عقله وقلبه، حيث يعتقد انه سيجد الأمان الذي ينشده، ما يعني ان الحبشة كانت قريبة الي تفكير سكان الجزيرة العربية و يعرفونها جيدا.
كل تلك الحقائق الجغرافية و التاريخية و الوقائع تشير الي التقارب التشارك، لكن لاحقا و مع انفتاح العالم علي بعضه بعد الثورات في وسائل النقل والسفر، و سهولة حركة الجيوش والفتوحات حدث تباعد بين هذين الاقليمين نتيجة تجاهل سكان و دول الجزيرة لمنطقة القرن الافريقي فاصبحت المنطقة بقعة مظلمة في العقل العربي و مجهولة لديهم!
اننا نعيش في عصر المجتمع المدني و القطاع الخاص، عصر تفوق فيه قوة المجتمع قوة حكوماته، لذا لا يصح ان نلقي كامل اللوم علي الحكومات والانظمة، وفي هذه الحالة فان تجاهل ارض الحبشة والقرن الافريقي مسؤولية الجميع و علي المنظمات والمراكز المجتمعية و المدنية ان تقوم بواجب تسليط الضوء علي هذه البقعة، وعلي المسلمين احياء ذكري الهجرة الأولي كما يحيون ذكري هجرة النبي ( ص )؛ وعلي كل مسلم ان يسعي لزيارة دار هجرة صحابة النبي؛ دار الهجرة الأولي مرة واحدة علي الاقل في حياته.. احياءا لذكري الذين هاجروا بدينهم، و بنظري فان زيارة اثيوبيا او اريتريا او السودان او الصومال او جيبوتي تفي بهذا الغرض.
دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...
تعليقات
إرسال تعليق