التخطي إلى المحتوى الرئيسي

صراع الاجندة الاجنبية في الساحة السودانية

 صحيح ان بعض اصحاب الاجندة المحلية يميلون للاستقواء بقوة اجنبية و اجندة سياسية خارجية، لكن بديهي كذلك ان الاجندة الاجنبية لا تجد لها موطئ قدم في اي بلد ما لم يكن هناك اصحاب اجندة محلية قابلين للتعاون مع محاور الاجندة الخارجية (عملاء).. و السودان منذ وقت طويل اضحي ملعب للأجندة الاجنبية يتساوي في ذلك النخب المعارضة او الحاكمة!

حتي في مرحلة حكم الانقاذ التي كانت تعد بهوية وطنية و "عالمية" متميزة و بناء "دولة عظمي" مهيمنة علي الاقليم القريب و البعيد مركزها "ارض النيلين" الا انها سرعان ما تخلت عن هذا التوجه بعد انهيار التنظيم الحاكم بعد مفاصلة ١٩٩٩م!

هذا التاريخ يبقي مهماً جداً لأنه يؤشر لمرحلة تنافس بين اصحاب المشروع "الرسالي" علي الفوز و الاستئثار برعاية التنظيم العالمي و كفالته!

و عندما وصل ذلك التنافس الي مرحلة الانهاك انتقلت النخبة المتنفذة من اصحاب المشروع السياسي الرسالي لاحضان راعي اخر و قد مثل تحالف "الحزم" سانحة للانتقال!

من ذلك التاريخ ايضاً اضحت الأجندة الاجنبية أعلي كعباً من كل الأجندة، و برغم اتهامات السلطة لمعارضيها بالعمالة لأجندة الخارج فان السلطويين لم يجدوا من يوجه السهام او الضوء لعمالتهم برغم فضائحهم الواضحة (ابرزها عمالة مدير مكتب الرئيس الفريق/أمن طه عثمان)!

بعد سقوط البشير اصبح المسرح اكثر ملأمة لأجندة الخارج و لعملاء المخابرات الاجنبية اذ تم توفيق اوضاع كل الجواسيس و العيون و مراكز التخابر و من كان يعمل عبر وسيط اصبح يعمل مباشرةً بلا وسيط و من كان يعمل لصالح وكيل استعاض عنه بوكيل آخر!

الأجندة الاجنبية اصبحت و بكل وضوح هي المحرك للسياسة العليا للدولة و خصوصاً ما يتعلق بالسياسة الخارجية و المواقف الدولية؛

سيطرة الاجندة الاجنبية انعكس علي السياسة العامة للبلد، ابرز الأمثلة هو تغير موقف السودان من قضية سد النهضة من موقف قريب لأديس اببا الي موقف مطابق للقاهرة! سبق ذلك التحول تصعيد في ملف الفشقة (دون ملف حلايب و شلاتين)، هذا يمثل استحكام لاجندة محور بعينه.. هذا انعكاس علي مستوي السياسة الخارجية و المواقف الدولية.

داخلياً يمثل التوتر الاخير (رغم النفي الرسمي و الانكار) بين الجيش و الدعم السريع و كذلك التوترات القبلية و الجهوية في جنوب كردفان و غرب دارفور و كسلا و بورتسودان يعكس مظاهر آخر لتلك الاجندة؛ 

تغلغل الاجندة الاجنبية لا يقتصر علي جهاز الدولة و اجهزة الاعلام و الصحف المؤثرة بل يتعداها الي الاحزاب و الكيانات المدنية و الحركات (لدينا ما يحمل علي الاعتقاد بأن فصيل الحلو ينفذ اجندة استخبارات دولة الجنوب و لا يمثل اجندة المهمشين و المظلومين الذبن تدعي الحركة انها تمثلهم!) هذا التغلغل و الاستشراء بلغ مرحلة يجعل الانشطة الاستخبارية  لها حاضنة اجتماعية متسامحة مع التخابر و هذه كارثة امنية قومية.. كارثة يصعب علاجها بالقانون فقط لأن القانون يصعب ان يحيط بحالة عامة و هو يستجيب لتحدي الشواذ علي القاعدة و ليس تحدي القاعدة العامة! هذا الوضع يمثل تحدي يتطلب استنفار سياسي و امني و عدلي و اجتماعي عام حتي يعود الوضع لخانة الخروج عن القاعدة و الاستثناء.

أغسطس ٢٠٢١م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...