أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بينها علي كل حال اعلان الطوارئ! المثيل الوحيد لاعلان طوارئ البشير و الاوامر التي ترتبت او تلك التي ستترتب عليه هو اوامر الطوارئ التي اصدرها الجنرال كتشنر قائد جيش الغزو الانجليزي المصري في 1898م بعد معركة كرري و دخول قواته لامدرمان و انسحاب حاكمها الخليفة عبدالله امير الدولة المهدية! لكن قرارات كتشنر ايضا تختلف عن اوامر البشير فكتشنر كان يستند الي شرعية الغزو و الاحتلال و كان يسلك سلوك المنتصرين في الحروب، و تلك تدابير معروفة في كل معارك و حروب البشرية بين الجيوش و الدول في العصر الحديث، المنتصر دوما ما يمنح نفسه سلطة ان يجعل لكلمته قوة القانون و لفترة مؤقته لحين ان يتمكن من توفيق اوضاعه و اقامة دعائم حكمه في مرحلة ما بعد سقوط خصمه و انهزامه و استسلامه.. فالي اي شرعية تستند اوامر البشير! و هو الذي ظل يحكم لثلاثين عاما بكامل ايامهن و لياليهن! ليست هناك اية شرعية تسند اوامر البشير الطارئة، الحديث عن قانون الطوارئ و سلطات الرئيس بموجب الدستور لا تسعفه هنا، الا مجرد مماحكات و جدل لا طائل منه، فالسودان مذ وطئت اقدام البشير سجادات القصر الجمهوري لم يعد دولة قانون و لا قيمة لدستور فيه بل هو يسلك ذات سلوك الغزاة المحتلين والمنتصرين في الحروب مع انه لم يخض معركة من الأساس ناهيك عن ان ينتصر! ثم ان الاوامر تصدر في وقت يعتبر البشير فيه منهزم بكل المقاييس، فهو يواجه اكبر موجة رفض شعبية تخرج في جموع الشعب بكل فئاته صغار و كبارا نساءا و رجالا و علي كل ضامر و عزل الا من سلميتهم و هتافهم، و يعلنون بعلو اصواتهم رفضهم لاستمرار حكمه و استبداده الي ما لانهاية مرئية له، و مع سلميتهم تلك ينتصرون الكرة تلو الأخري علي كل مليشيا القمع و علي كل اجهزة الدولة من كل وزاراتها و مجالسها الي ابواقها التلفزيونية والصحفية! لا شرعية منتصر تسند طوارئ البشير و اوامره الاربعة الاخيرة بل هو مهزوم بمعني الكلمة، و هذه الاوامر كلها هدفها هو انقاذ حكومة البشير من الهزيمة الساحقة التي باتت تلوح مطالعها، و هدفها محاولة منع السقوط الوشيك لنظامه المتهالك! ان البشير عبر هذه القرارات يريد ان يفعل ما عجز عن فعله خلال سنين حكمه الطويلة! يريد ان يمنع انهيار الاقتصاد الذي تسببت فيه حكومته بسياسات رعناء طبعت للنهب و الفساد و تركت المال العام غنيمة لمحازبيه و كل من والاه! يريد ان يرمم صورة حكمه التي تشوهت و ضاعت ملامحه بالكامل! لن تنجح مساعي البشير بالطوارئ كما لم تنجح عبر ترسانة القوانين و الدساتير التي مهرها بختمه طيلة سنوات حكمه، و ذلك لسبب واحد رئيسي هو ان جهاز الحكم الذي اعتمد عليه خلال ثلاثين عاما ما عاد يصلح لشئ! و غير قادر علي انجاز اي مهام و انفاذ اية مشيئة لا امر طارئ و لا قرار معتاد! ان هذه المنظومة ببساطة ما عادت تصلح لشئ الا السقوط!