التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الحكومة و استراتيجية تجاهل الشارع!

  مظاهرات السودان المطالبة بسقوط نظام البشير دخلت شهرها الثالث و مع ذلك تتجنب السلطة حتي الأن مخاطبة الواقع الذي خلقته تلك التظاهرات بصورة مباشرة!
فهي حتي اليوم تخاطب تداعياته و آثاره! تتحدث عن تجاوزات القوي الأمنية احيانا و عن تخريب و مندسين احيانا لكنها لا تخاطب عصب الأزمة و اسباب الثورة والتظاهر!
تتجنب الحديث عن الانسداد السياسي و الضوائق الاقتصادية و انهيار قيمة العملة! 
تتجنب الحديث عن ازمة تداول السلطة في البلد بل و ازمة انتقال السلطة داخل جهاز الدولة و الحكومة و الحزب! و التي ابرز مظاهرها بقاء البشير رئيسا لثلاثون عام!
وتتجنب الحديث عن الفساد المالي و الاداري و انهيار وفشل جهاز الدولة الاداري و حالة الشلليات ( أولاد نافع و أولاد قوش و أولاد علي عثمان و أولاد البشير ووو .. ) وعن القبلية التي تضرب نخاعها!
  تتجنب الحديث عن انحلال القوي النظامية العسكرية و الأمنية و انتشار المليشيات الموالية لزيد و عبيد من رموز السلطة!
تحاشي مخاطبة الأزمة و مخاطبة قشورها و هوامشها و تداعياتها ليس من الحكمة السياسية في شئ و ليس دليل عبقرية! هو بالأصح دليل فشل و خلل جسيم! و دليل علي ان الحزب الحاكم 'المؤتمر الوطني' ليس فيه سياسي واحد انما مجموعة موظفين يأتمرون و ينفذون تعليمات و رغبات شخص واحد هو البشير.
و ان الحكومة بكل احزابها المتحالفة مع الحزب الحاكم ليس فيها رجل رشيد انما مجموعات من الباحثين عن الرزق و المصلحة الشخصية و المنافع.
ان عدم مخاطبة اصل المشكلة و عدم التعامل مع الحدث الجوهري قد يؤخر نجاح الثورة و يؤخر تحقيق مطالب المتظاهرين لكن لن يحول دونها!
ان الحكومة تحاول كسب الزمن لكن لأي غرض؟ و لأي هدف؟! هي نفسها لا تعرف! انها تحاول كسب الزمن انتظارا لفرج يأتيها من الغيب والمجهول؟ 
هل تنتظر الحكومة و حزبها و رموزها ان تحدث معجزات؟ معجزات تحل لها مشاكل الاقتصاد و السياسة و تصلح لها جهاز الدولة بمختلف مؤسساتها من مدارس التلاميذ و مناهجها الي المؤسسة العسكرية و عقيدتها!
ليست هناك معجزات من هذا النوع اطلاقا، فهذه المؤسسات خربوها بأيديهم و كان عليهم اصلاحها لكنهم اضاعوا فرص الاصلاح حتي انتهي الزمن المخصص لذلك. و الأزمة السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية صنعوها بأنفسهم دون ان ينتبهوا لذلك و علي ما يبدو فانهم لا يرون الأزمات ناهيك عن ان يعملوا علي حلها!
ان الحكومة تحاول الظهور بمظهر المتماسك و من يسعي لكسب الزمن من مركز قوة فيما هي في الواقع في مركز ضعف.. 
الحكومة و حزبها و الاحزاب المتحالفة معها كلهم في موقف عجز و في حالة شلل تام.
  فيما الشارع الذي يحركه الشباب بتشكيلاتهم الشابة 'تجمع المهنيين' يطورون في كل ساعة خطابهم و يتعلمون جديدا و يطورون مهاراتهم الاستراتيجية و التكتيكية و يكسبون فصائل جديدة من الشعب و من الخارج و بل حتي من بين صفوف الدولة و الحزب الحاكم.
  لذا عندما تستشعر الحكومة ان عليها ان تخاطب الازمة مباشرة ستجد ان الوقت قد فات و انه ليس لديها الا ان تسقط كما يأمرها الشارع.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم تفريغ الجامعات والمعاهد من اي مضمون واضحت الدرجات العلمية مجرد القاب مملكة في غير موضعها...     فاحاديث الرجل لا توحي بشئ في هذا المضمار.. التخصص، كما ان المعلومات المتوافرة في قصاصات الصحف ولقاءات الاذعة لم تفصح عن شئ ايضا!    السيرة الذاتية المتوافرة علي موقعي البرلمان السوداني 'المجلس الوطني' و البرلمان العربي تقول ان البروف-الشيخ حاصل علي بكالريوس العلوم في الفيزياء و ايضا بكالريوس الاداب-علوم سياسية من جامعة الخرطوم! ثم دكتوراة فلسفة العلوم من جامعة كيمبردج. اي شهادتين بكالريوس و شهادة دكتوراة. مامن اشارة لدرجة بروفسير "بروف" والتي يبدو ان زملاءه في السلطة والاعلام هم من منحوه اياها!!    سيرة ذاتية متناقضة وملتبسة تمثل خير عنوان للشخصية التي تمثلها وللادوار السياسية والتنفيذية التي لعبتها!    ابرز ظهور لشخصية الشيخ-البروف كان ابان صراع و مفاصلة الاسلاموين، حينها انحاز البروف لف

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بينها ع

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانتهازيين علي اختلاف مشاربهم ( مؤتمر وطني، و مؤتمر شعبي،اخوان مسلمين، سلفيين، سبدرات، وابوكلابيش، والراحل شدو، اتحاديين الميرغني، و حاتم السر، و الدقير، و احمد بلال، واشراقة سيد، و احزاب امة مسار، و نهار، و مبارك المهدي، وحسن اسماعيل.. الخ ) و غيرهم يحاولون جميعا تصوير الأمر علي انه يعني سقوط البشير لوحده!   البشير لم يسقط وحده، فهو يرمز لعهد باكمله، و يرمز لاسلوب في الحكم و الإدارة وتسيير الشأن العام ( السياسة )، و بسقوطه سقط مجمل ذلك العهد و اسلوب الحكم و السياسة و الادارة..   و سقط ايضا كل من اعانوه او اشتركوا معه و كانوا جزء من نظامه في اي مرحلة من مراحله المقيتة. و حين تقوم مؤسسات العدالة وتنهض لاداء دورها سيتم تحديد المسؤوليات بدقة و بميزانها الصارم و سيتم توضيح ( من فعل ماذا؟ و من تخاذل متي؟ ). البشير لم يحكم وحده حتي وان استبد في اخريات ايامه و سنوات، بل كان له مساعدون و اعوان في ذلك الاستبداد و داعمين لان