التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حادثة "خشم القربة" .. محاكمة نهج ونظام لا محاكمة افراد

   وجدت حادثة تعذيب وتصفية الشهيد المعلم احمد الخير عوض الكريم صدي واسع داخليا و تكثيف وضغط شعبي هائل وانتقلت الي حدث يتابعه الرأي العام العالمي واضطرت اجهزة أمن و ( عدل ) السلطات الي تغيير نهجها في التعامل معها! فبعد ان كانت تريد التستر علي الجرم بالحديث عن تسمم غذائي واعتقلت صاحب بقالة برئ و استصدرت سريعا تقارير طبية-امنية تتحدث عن اصابة ضباط وافراد امن بذات التسمم، اضطرت للتراجع تحت ضغط مجتمع مدينة خشم القربة المستند الي مشاهدات اسرة الفقيد للجثمان الطاهر و روايات المعلمين و اصدقاء الفقيد الذين كانوا معه في ذات المعتقل و تعرضوا معه الي بعض ما عاناه من تنكيل و بطش .. امام كل ذلك و بسبب تصديق الرأي المحلي لرواية ابناء المدينة وبسبب الرواية المهزوزة التي قدمها مدير شرطة ولاية كسلا اضطرت السلطة للتراجع و الاقرار بموت الشهيد بسبب التعذيب في المعتقل و اعلنت عن القبض علي بعض افراد الأمن.
    تحاول السلطات القمعية الامنية بمساعدة السلطة العدلية المدجنة والخنوعة ان تصور الحادثة علي انها حادثة معزولة و تصرف فردي! رغم ان كل الظروف و الملابسات تشير الي عكس ذلك، فحين يتواطأ مكتب أمن لمنطقة كاملة علي التنكيل لا تكون الحادثة فردية، وحين تشارك فصيلة كاملة من أمن الولاية ( هيئة العمليات ) مكونة من اكثر من 35 جندي مدرب في حفل ضرب اربعة او خمسة معلمين مدنيين لا يكون ثمة مجال للحديث عن عمل منفرد! وحين تتواطأ شرطة الولاية و الوالي شخصيا للتستر علي الجرم واخفاءه والزعم بان الوفاة كانت طبيعية فنكون ازاء تعذيب وقتل و تستر يمثل سياسة دولة لا حادث عرضي!
    حتي بعد الاقرار تحاول السلطات العدلية التستر علي واقعة الانتهاكات الجنسية المروعة التي حدثت والمتمثلة في ادخال اسطوانة حديدية ( سيخ ) من دبر الشهيد!   وهو الفعل الذي مثل صدمة لأهل الفقيد و لزملاءه و لابناء المدينة والولاية و للشعب السوداني بأسره وللعالم، ويمثل قمة العنف والفظاعة والاستهتار بحقوق الناس في هذا البلد. فالحادث تقف وحدها برهان لا يقبل الدحض علي انها ليست حادثة معزولة بل تمثل تواطؤ من اسفل هرم الدولة الأمنية الي قمتها..   بل ليس حادثة معزولة لأن القتل في زنازين وأقبية الأمن سلوك قديم حدث في التسعينات مع الطبيب علي فضل و الطالب محمد عبدالسلام والعشرات بل المئات والألاف ربما.. و حتي في ايامنا هذه ايام انتفاضة الشعب الجسور ثمة حالات وفاة غامضة الراجح عندنا ان جهاز الأمن مسئول عنها وانها وفيات داخل مقاره وتحت تعذيب جلاديه و زبانيته؛ فحادثة الطالب الشهيد عبد الرحمن الصادق و الشهيد مجاهد و الشهيد فائز و الشهيد حسن طلقا و الشهيد طالب الطب محجوب التاج كلها حودث اعتداءات عنيفة من مؤسسات الدولة ضد مواطنين ويجري التستر عليها وانكار الصلة بها.   هذا علاوة علي خمسة "قبور" حديثة لاحظها ابناء قرية "ام ضريوة" شمال الخرطوم ويرجحون ان سيارات نظامية جاءت و دفنت جثث فيها ليلاً و بعيدا عن اعين الرقباء وبلا صلاة و لا دعاء!   كلها حوادث موت تحت العذيب نجحت السلطات في التستر علي بعضها و لم تضطر الي الحديث عن بعضها لأنها لا تفعل ذلك الا تحت الضغط المكثف، و حين يكون نهج الدولة و مؤسسات حكمها التستر علي التجاوزات و اخفاء الحقائق فعلي الحكومة السلام! اذ تكون عصابة جريمة منظمة مثلها مثل المافيا.
   اننا نعلم تماما ان التعذيب المفضي الي الموت هو نهج متعمد وسلسلة حوادث منتظمة يدل علي كونه سياسة رسمية تتبناها اجهزة الدولة خصوصا جهاز الأمن واحيانا الشرطة في حراسات اقسامها و مباحثها. لذا فان علاج هذه الحالة لن يكون فقط بمحاكمة المتسببين في وفاة المعلم احمد الخير بمدينة "خشم القربة" علي ما لهذه المحاكمة من اهمية 'وكلنا سمعنا عن تذمر جلادي الأمن و زبانيته من تخلي القيادة عن زملاءهم و مطالبتهم بتعليمات مكتوبة وممهورة بالختم لممارسة عملهم القمعي!' فهذه المحاكمة ستجعل الجلاد يفكر الف مرة قبل ان يطلق يده لتعبث بارواح الناس!   لكن المهم ان تتم محاكمة النهج والاسلوب الذي تتبعه اجهزة الأمن والشرطة حتي نضمن الا تتكرر هذه الافعال المنكرة والفظائع التي تهز الضمائر الحية،   لابد من انهاء صيغة العلاقة القديمة بين القيادة السياسية و جهاز امنها و شرطتها والتي مفادها "احمونا من السقوط بكل وسيلة و نحميكم من الملاحقة القانونية بكل جهدنا!!" و لابد من فتح تحقيق كامل لكل جرائم الاعدام خارج نطاق القضاء حتي يأمن الناس علي ارواحهم و يضمن المواطن ان حقوق الانسان في بلاده ليست جملة يسمعها من المسئولين في الخطابات الموسمية!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...