التخطي إلى المحتوى الرئيسي

قرارات الجمعة 22 فبراير و ما تعنيه!

   كردة فعل علي انتشار التظاهرات المطالبة برحيل البشير و نظامه و تنامي موجة الاحتجاجات حتي اضحي التغيير مطلب مجتمع و شعب لا مطلب نخب سياسية او حزبية.. قام البشير مؤخرا باعلان حل حكومته الاتحادية و حكومات الولايات و عين حكام عسكريين لكل الولايات و عين احد قيادات حزبه و واليه السابق علي البحر الاحمر و الجزيرة 'محمد طاهر ايلا' رئيس وزراء كما اعلن سريان الطوارئ في طول البلاد و عرضها و اجري تعديلا في صفوف قيادة الجيش، و اعلن عن ارجاء اجراءات تعديل الدستور و انه سيتخذ اجراء يجعل منه رئيسا لكل السودانيين و "يقف علي مسافة واحدة من كل مكونات الشعب" و ان حكومته المقبلة ستتخذ اجراءات عاجلة لحل الازمة الاقتصادية!
   السؤال المهم هنا هو: ما الذي تعنيه اجراءات و خطوات البشير تلك و خطابه ليلة السبت؟!
   هذه القرارات تعني ان الحراك الشعبي المستمر منذ 19ديسمبر2018م بدء يفعل فعله في بنية السلطة،
   و ان الحكومة ما عادت قادرة علي الاستمرار في ادعاء القوة و الصمود في وجه الشارع و الشعب،
و ان مسيرة التنازلات و تراجع السلطة قد بدأت، تلك التنازلات التي ستوردها مورد السقوط.
  و عند تمحيص تلك الاجراءات و القرارات و ظروف اعلانها  نجد ان لها اضواء كاشفه علي المشهد الراهن و مآلات المستقبل..
من كشفها لحال السلطة الراهن:
 1/ الخطاب و القرارات و اعلان الطوارئ تكشف ان المؤتمر الوطني لم يكن قط حزب سياسي بل مجموعة سلطوية توفر غطاء سياسي زائف للبشير، اما عند المحكات فانه ينكشف بقيمته الحقيقة و عاجز عن السيطرة علي الشارع و عاجز ايضا عن اقتراح الحلول و المخارج من الازمات، و هذه الازمة تكشف اليوم ان الرئيس يمكن ان يتخلي عن ( حزبه ) في اية لحظة اذا تزايدت الضغوط عليه بكل ما يعنيه هذا التخلي لعضوية  المؤتمر الوطني من خذلان و ربما ينتهي بان يضحي بهم الرئيس و يحملهم كل مسؤولية العقود السابقة بتبعاتها السياسية و القانونية.
  2/ السلطة و الرئيس يعتمدان بشكل اساسي علي جهاز الامن و مديره ( صلاح عبد الله )! فبعد ان اعفاه و سجنه اعاده ثانية لنفس مركزه! السلطة اعتمدت الحل الأمني منذ اول يوم لاندلاع الاحتجاجات و حتي الجهاز القانوني صاحب الدور الاصيل ( الشرطة ) ظل دوره ثانويا و هامشيا. جهاز الامن تغول بصلاحياته علي كل اجهزة الحكم المدنية والعسكرية منذ وقت طويل ربما يعود لايام هذه السلطة الاولي و هذا اصاب جهاز الدولة بالشلل و العجز.. و اليوم تواجه السلطة فشل جهازها و هي في امس الحوجة لفعاليته!
 3/ ان الجماعة الحاكمة فقدت البوصلة تماما، و هي تحاول اليوم الاستعانة بعباءة قومية و حياد القوات المسلحة سياسيا مع انها هي نفسها من مزقت تلك العباءة قبل عقود! فقرارات الجمعة لا يمكن تفسيرها علي انها انقلاب او عسكرة للدولة! فالجنرالات من الجيش و الامن الذين عينهم البشير حكاما للولايات معروف عنهم ولاءهم للجماعة الحاكمة و رابطتها ( المؤتمر الوطني ) و كثيرون منهم يصرحون بذلك في اجتماعاتهم و علي الملأ، فالتسيس الذي استحكم في الجيش وكل الأجهزة باض و فرخ حتي ظن بعضهم انه أمر مسلم به و طبيعي!
  4/ ان الفساد اقعد بالاجهزة الرسمية تماما و جاءت الاحتجاجات والتظاهرات لتفضح تلك الاجهزة تماما، فاوامر الطوارئ الاخيرة المعلنة منها ما وجه لمكافحة الفساد و الاساليب الفاسدة! مع ان السلطات انشأت قبل شهور وحدة تبعتها لجهاز الامن خصصتها لمحاربة الفساد! و مع العلم ان الفساد كما المظاهرات لا يحارب بقرارات و لا آليات انما بارادة و ثقافة شفافية و مخاطبة جذر المشكلة و ازالة مسببات الغضبة الشعبية.
  5/ ان السلطة في قمتها "جهاز الامن و الرئاسة" وصلت ليقين أن الدولة بكامل منظومتها القانونية و تشريعاتها و مؤسساتها و حزبها نفسه ما عادت تصلح و من ثم عبر اعلان الطوارئ و ما صدر و ما سيصدر من اوامر و ما سيتشكل من اليات ( نيابة و محاكم اولا، و ربما لاحقا مؤسسة سياسية - حزب جديد، بل و ربما جهاز امني جديد! ) ستحل محل المنظومة القديمة و المؤسسات القديمة.
   اما اضواء قرارات البشير تجاه المستقبل  فهي و بحساب ان الانتفاضة الشعبية الجارفة ستنتهي دون غايتها "كما يتمني واضعوا تلك القرارات" فانها علي الأقل ستحدث تصدعات عميقة في بنية السلطة لن تعود بعدها كما كانت قبلها، هذا مع التأكيد ان المؤشرات كلها تنبئ بان النظام ساقط لا محالة و في القريب العاجل.. و ان خطاب البشير و قراراته ما هي الا مقدمات و تمهيد ذلك السقوط.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...