التخطي إلى المحتوى الرئيسي

هل يمكن تصور ناتو بدون امريكا؟!

  قبل صعود نجم "السياسي" ترامب لا احد كان يتصور ان يأتي يوم و يصبح فيه مستقبل و مصير اكبر حلف عسكري و امني في تاريخ البشرية "الناتو" محل سؤال! لكن هذا اليوم قد جاء بوصول ترامب الي المكتب البيضاوي و الذي طفق يعبث بكل ما هو قيم و أساسي للدولة و المجتمع الامريكيين و هز كل مسلماتهم و تحالفاتهم الاقتصادية و السياسية و الأمنية حتي! بما فيها حلف شمال الاطلسي-الناتو.

  ازمة حلف شمال الاطلسي لم يخلقها ترامب بل هي قديمة قدم الحلف نفسه ( 1949 ) لكنها انكشفت علي يديه، فالناتو تشكل بعد الحرب الثانية بمخاوف ما قبلها! ولم يستطيع بعد الحرب ان يبلور رؤية و عقيدة تستوعب تحديات عالم ما بعد الحروب الكونية والحروب الاستعمارية!
 فالقوي التي خرجت منتشية بالنصر و منهكة في نفس الوقت و مصابة برهاب الاعداء تكتلت مع بعضها و قررت ان روسيا السوفيتية هي عدو ما بعد الحرب العالمية. و لكون كل القوي العالمية كانت منهكة كانت الحرب الباردة! و ابرز ملامحها حروب الوكالة؛ حيث كانت القوتين العظميين امريكا و من خلفها الناتو ثم سائر دول المعسكر الغربي من جهة، و روسيا و من خلفها حلف وارسو ثم بقية منظومة دول المعسكر الشرقي من الثانية؛ كانتا تصطرعان عبر دول و جماعات بعيدة كل البعد عن مركز الصراع!
  في هذه الظروف تطور الحلف ( الناتو ) و تبلورت عقيدته العسكرية.
  و ﻷن واشنطون كانت قلب هذا الحلف و أهم عضو فيه كانت دوما اقرب الي كل عواصم اوروبا من قرب تلك العواصم فيما بينها! علي هذا الأساس ( القرب الدفاعي و ليس القرب الجغرافي! ) انبنت دعائم الحلف!
  اليوم تصريحات الرئيس ترامب المجنونة و تغريداته المزعجة هل تزيل الغشاوة و العصابة التي وضعتها اوروبا برضاها علي عينيها!؟
  اليوم قيم الاطلسي 'الديمقراطية و حقوق الانسان' ما عادت هي المحك و الاساس، المصالح الاقتصادية و التجارية هي الحاسمة.. و الاعتبارات الأمنية 'مكافحة الارهاب و الجريمة المنظمة و غسيل الاموال و الاتجار في البشر و الهجرة و الجريمة السياسية' مقدمة الأن علي الاعتبارات العسكرية والدفاعية.
 مع صدمات ترامب قد تكتشف العواصم اﻷوروبية ان موسكو اقرب اليها 'اقتصاديا و امنيا' من واشنطون .. و واشنطون "اميركا اولا" قد تتحول الي اميركا في مواجهة الآخرين! و في مواجهة الجميع بما فيهم حلفاءها المقربين! فهي تضرب بمصالح الآخرين عرض الحائط ان لم تتحق مصالحها الآنية كما يراها ترامب في اوهامه او احلامه!
  وقد تتذكر ايضا 'تلك العواصم' ان برلين و طوكيو ما عادتا عواصم محور ( دول المحور المعادي لدول الحلفاء )! و ان عالم ما قبل الحرب العالمية الثانية قد اندثر قبل امد بعيد و ان الحرب الباردة اصبحت من الماضي، و ان عالم اليوم يتطلب حلف اطلسي جديد ليس بالضرورة ان تكون امريكا طرفا فيه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم تفريغ الجامعات والمعاهد من اي مضمون واضحت الدرجات العلمية مجرد القاب مملكة في غير موضعها...     فاحاديث الرجل لا توحي بشئ في هذا المضمار.. التخصص، كما ان المعلومات المتوافرة في قصاصات الصحف ولقاءات الاذعة لم تفصح عن شئ ايضا!    السيرة الذاتية المتوافرة علي موقعي البرلمان السوداني 'المجلس الوطني' و البرلمان العربي تقول ان البروف-الشيخ حاصل علي بكالريوس العلوم في الفيزياء و ايضا بكالريوس الاداب-علوم سياسية من جامعة الخرطوم! ثم دكتوراة فلسفة العلوم من جامعة كيمبردج. اي شهادتين بكالريوس و شهادة دكتوراة. مامن اشارة لدرجة بروفسير "بروف" والتي يبدو ان زملاءه في السلطة والاعلام هم من منحوه اياها!!    سيرة ذاتية متناقضة وملتبسة تمثل خير عنوان للشخصية التي تمثلها وللادوار السياسية والتنفيذية التي لعبتها!    ابرز ظهور لشخصية الشيخ-البروف كان ابان صراع و مفاصلة الاسلاموين، حينها انحاز البروف لف

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بينها ع

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانتهازيين علي اختلاف مشاربهم ( مؤتمر وطني، و مؤتمر شعبي،اخوان مسلمين، سلفيين، سبدرات، وابوكلابيش، والراحل شدو، اتحاديين الميرغني، و حاتم السر، و الدقير، و احمد بلال، واشراقة سيد، و احزاب امة مسار، و نهار، و مبارك المهدي، وحسن اسماعيل.. الخ ) و غيرهم يحاولون جميعا تصوير الأمر علي انه يعني سقوط البشير لوحده!   البشير لم يسقط وحده، فهو يرمز لعهد باكمله، و يرمز لاسلوب في الحكم و الإدارة وتسيير الشأن العام ( السياسة )، و بسقوطه سقط مجمل ذلك العهد و اسلوب الحكم و السياسة و الادارة..   و سقط ايضا كل من اعانوه او اشتركوا معه و كانوا جزء من نظامه في اي مرحلة من مراحله المقيتة. و حين تقوم مؤسسات العدالة وتنهض لاداء دورها سيتم تحديد المسؤوليات بدقة و بميزانها الصارم و سيتم توضيح ( من فعل ماذا؟ و من تخاذل متي؟ ). البشير لم يحكم وحده حتي وان استبد في اخريات ايامه و سنوات، بل كان له مساعدون و اعوان في ذلك الاستبداد و داعمين لان