علي ايام الربيع العربي راجت مقولة 'مصر ليست تونس، و ليبيا ليست مصر و اليمن ليس ليبيا.. الخ' و هي مقولة سعي مطلقوها لتعميق الفروقات الموجودة في الفعل نتيجة التباينات في التجارب السياسية والاجتماعية و الاقتصادية.. ومن ثم الاعتماد علي ذلك العمق المفتعل لكبح دعاوي التغيير و تثبيت الانظمة المتداعية سياسيا و اجتماعيا!
لكن و لسخرية الاقدار اليوم يمر ثلاثة رؤساء عرب بمأزق واحد و متشابه في كل الملامح و الظلال!
انه مأزق الدستور و مأزق احتكار السلطة و الحيلولة دون تداولها و انتقالها السلمي و السلس..
فعمر البشير ظل يحكم منذ 1989م دون قيد دستوري لكن اعتبارا من 2005م اجبر علي اعتماد تقييد الرئاسة بدورتين مدتهما عشر سنوات فقط، نجح البشير في اقناع الجميع بما فيهم المجتمع الدولي الذي فرض التسوية السلمية التي انبثق عنها دستور 2005م بأن يبدأ العد له اعتبارا من انتخابات 2010م و اعتبار ماقبلها موضوع ( كافعال الجاهلية ) و ان اتفاق السلام مع جنوب السودان يجب ما قبله! ثم ها هو بعد استنفاد كامل فرصته الدستورية 2010-2020م يسعي لالغاء ذلك القيد عبر تعديل الدستور و ليكون الطريق ممهدا امامه ليحكم لفترة مفتوحة!
الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي وصل للسلطة في 1999م، عبر هذا المأزق منذ 2009م! عندما عدل الدستور ليسمح له بالترشح لعهدة رئاسية ثالثة، لكن اعتبارا من العام 2013م تعرض الرئيس لوعكة صحية ألزمته الكرسي المتحرك و اصبحت تجديدات ولايته الرئاسية يمتزج فيها ما هو دستوري بملفه الصحي و مدي لياقته الجسمانية للقيام باعباء عمله كرئيس للدولة!
و في مصر يختبر الرئيس عبد الفتاح السيسي ذات التجربة، فالسيسي الذي وصل الي الشرطة بانتخابات وضع شروطها بنفسه، اذ كان بحق ومنذ 30 يونيو 2013م بمثابة رجل مصر القوي، فقد اطاح بالرئيس السابق محمد مرسي و أتي برئيس المحكمة دستوريا رئيسا مؤقتا و ظل يشغل منصب وزير الدفاع و المتحكم الفعلي في مجريات السياسة المصرية، قبل ان يصعد لمركز الرجل الاول 'الرئيس' و اعيد انتخابه في 2018م.
و فيما يبدو يحاول النظام المصري استباق الزمن و التحوط من خلال تمهيد الطريق الدستورية امام الرئيس لولايات غير محدودة قبل انتهاء اجل ولايته الحالية في 2022م، و استباق كل اللاعبين السياسيين خاصة المعارضين منهم بفرض واقع جديد و مناسب للنظام الحاكم و داعميه قبل ان تدهمهم الاستحقاقات الانتخابية و يكون عليهم دفع استحقاقات سياسية و دستورية في آن واحد معا.
ان ازمات البشير و بوتفليقة و السيسي هي في عمقها و حقيقتها ازمات غياب ثقافة التداول السلمي للسلطة و الانتقال السياسي للصلاحيات.. في كل دول المنطقة، و التي تعيش معظمها واقع سياسي مأزوم لا يعرف الديمقراطية و سيادة مبادئ المواطنة و حكم القانون و احترام حقوق الانسان.
لذا في كل هذه الدول 'الجمهوريات' و في الدول الثلاثة التي يتزامن فيها اليوم أشكال انتقال السلطة و تداولها ( السودان، و الجزائر، و مصر ) يعتبر نقل السلطة او استمرارها ازمة حقيقية فهي جمهوريات لدول ما قبل حديثة! لديها مؤسسات تأخذ طابع تلك التي للجمهوريات الحديثة شكلا و نصوص دستورية للاستهلاك الاعلامي والسياسي اما عند الحاجة و المحكات القانونية فيتم تعطيلها او الغاءها او تعديلها ببساطة اجرائية لافتة!
ما يحدونا هنا للقول ان السودان هو الجزائر و الجزائر هي مصر و مصر هي السودان!
تعليقات
إرسال تعليق