التغويص أو الاختراق التنظيمي ممارسة يعرفها معظم اعضاء الاحزاب؛ و تتم بأن يقوم حزب بتكليف عدد من عضويته غير معلنة الانتماء و غير المعروفة لتنتسب الي حزب منافس أو السيطرة علي تنظيم نقابي أو منظمة طوعية أو اتحاد فئوي "شبابي، نسوي، أو أي حركة مجتمع، و حتي لجان الثورة بالاحياء لم تسلم من محاولات السيطرة و الاختراق ..الخ"؛ و تقوم تلك العناصر المندسة بتسليم المعلومات التي تتحصل عليها للحزب الذي ارسلها، كما تقوم بافعال و تصريحات و انشطة لصالح ذلك الحزب و تضغط في إتجاه الخطوط و السياسات التي تخدم الحزب المرسل..
و لأن الحزب الشيوعي هو رائد الكثير من الادبيات و السلوكيات السياسي فهو من ادخل تجربة و ظاهرة التغويص في العمل الحزبي و السياسة السودانية.. لكن لأن الاسلامويين نجحوا باكراً في امتلاك قاعدة تنظيمية و شعبية فقد توسعوا في استخدام اسلوب التغويص و توظيف المندسين "جواسيس الاحزاب" لصالحهم.
و عند استيلاءهم علي السلطة و "تمكنهم" من السيطرة علي اجهزة و مؤسسات الدولة بما فيها الأجهزة الأمنية و المخابرات توسعوا اكثر و "تفننوا" في توظيف جواسيس الاحزاب مستفيدين من امكانات اجهزة الدولة الأمنية المالية و خبراتها و مقدراتها العملية.. و اضافة الي إرسال عناصر غير معروفة "و هو ما يعرف بزراعة الجواسيس في العرف المخابراتي" فانهم ادخلوا تكتيك اغراء العضوية الاصلية للأحزاب المنافسة عبر الاغراء المالي و المادي و عبر التهديد و ارهاب الدولة "الاستقطاب"..
اتباع تكتيكات الأمن و الاستخبارات من قبل التنظيمات السلطوية في العمل السياسي أمر معتاد فهي تنظيمات تسعي للتحكم في الحياة العامة و تسييرها وفق هواها و تصوراتها و لذا هي تتبع و اتبعت نفس ادوات المؤسسة الاستعمارية "من بوليس سري و استخبارات عسكرية" للسيطرة علي المجتمعات و اجهاض أي محاولة مقاومة ..
أما غير المفهوم و غير المعقول فهو أن يقوم بتلك الممارسات حزب يزعم أنه حزب ديمقراطي!! كالحزب الشيوعي، و هناك العديد من الشواهد علي أنه قام بتلك الممارسات علي مستوي الحزب و علي مستوي الواجهات التابعة له "كالجبهة الديمقراطية"؟! فهذه الممارسات هي دليل صريح علي أن الحزب لم يتخلص بالكامل من ارث السلطوية و الوصاية التي تسربت إليه من منظومة الأحزاب الشيوعية التي حكمت و سادت في روسيا و اوروبا الشرقية في حقبة الحرب الباردة و ما قبل سقوط جدار برلين!
منظومة الأحزاب الشيوعية تلك ارست واحدة من أشهر تجارب انظمة الاستبداد و القمع و اللا-شفافية فيما عرف بالستار الحديدي.. تلك منظومة يمت لها الشيوعيون السودانيون بصلة نسب و برغم ادعاءهم تفرد تجربتهم و "سودانويتها" الا انهم لم يقدموا أي دليل ملموس علي تلك الفرادة! أحد آخر الإشارات كانت اجتماعاتهم بمبعوثي الحزب الحاكم الفنزويلي! و الذي يمثل أحد انظمة الاستبداد المعاصر..
لا نتوقع و لا نريد من الشيوعي السوداني أن يتبرأ من كل تجارب الاستبداد الشيوعي في العالم لكن من حقنا أن نري اختلاف في الممارسة الوطنية ...
أن التحجج بضبابية الوضع القائم و الاستبداد "السابق" لا يبرر انغلاق الحزب و سريته المفرطة لأن ذلك اول مداخل الجمود و التحجر و تبنّي مواقف فقط علي أسس أمنية و لا ديمقراطية بما فيها الاختراق التنظيمي و التغويص.
انهاء هذا الوضع أمر لازم إن أردنا حياة سياسية صحيحة و صحية و معافاة من القمع و البطش و الاضطهاد و العنف و العنف المضاد و الانقلابات و النزاعات و الحروب الأهلية.. فاسلوب التغويص ليس فقط غير اخلاقي و غير ديمقراطي بل هو غير عملي و غير مفيد سياسياً، فماذا افاد اسلوب التغويص و ما اذا افاد "المندسين" امن المؤتمر الوطني حين واجهته الجماهير الغاضبة؟، و ماذا افاد المندسين الحزب الشيوعي و الذي لا يزال برغم انه من اقدم الاحزاب؛ لا يزال حزب مغمور و لا يُري له أثر يذكر!؟
نتطلع الي مرحلة تحدث فيها اختراقات لصالح الوطن في مجال التنمية و المكانة الدولية و الاقليمية و ليست اختراقات للخلف نتجسس فيها علي بعضنا البعض و نجهض فيها جهود احدنا الآخر!
لذا فمن واجب الجميع بما في ذلك الأحزاب السياسية و أجهزة الدولة المعنية بإنفاذ القانون أن تعمل علي تثبيت دعائم مبدأ حكم القانون حتي يفهم منسوبو أجهزة الدولة الأمنية أنه ليس من واجبهم و لا سلطتهم ممارسة سطوة أو رقابة علي القوي السياسية، و أن ذلك من واجب جهاز النائب العام و الشرطة في حال ارتكاب "السياسي" أو الحزب أي مخالفات تضر بالوطن و أمنه، كل ذلك في سياق عام واضح يتم فيه تحديد ما هو مسموح و ما هو غير مسموح خصوصاً في جانب العلاقات الخارجية و الصلات بالسفارات و الحصول علي تمويل خارجي... الخ
علي الاحزاب جميعها ان تحتفظ بمسافة بينها و بين النقابات و المنظمات المدنية الطوعية و لجان المقاومة حتي نتجنب التنافس علي استخدام واجهات غير سياسية كوكلاء لحزب سياسي!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
ديسمبر ٢٠٢٠م
تعليقات
إرسال تعليق