التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الترتيبات الامنية لقوات الحكومة و الحركات

   ان تاريخ السودان في مراحل الحكم الوطني المختلفة مثلما هو تاريخ لحقب متعددة من المراحل الانتقالية؛ فهو كذلك تاريخ لسلسلة من الترتيبات الامنية !!

ففي كل عقد يحدث تمرد، ثم يتم ابرام معاهدة سلام و اتفاق لدمج القوات المتمردة عبر "ترتيبات امنية"!

فمن ترتيبات اتفاقية ١٩٧٢م، و الي اتفاقية نيفاشا ٢٠٠٥م، و اتفاقية ابوجا ٢٠٠٦م  و الدوحة، و جوبا لحركات دارفور، و ما بين تلك المعاهدات و الاتفاقيات كثير من الترتيبات اقل حظاً من الاعلام و الشهرة...

أضحت مفوضية نزع السلاح و التسريح و اعادة الدمج، و التي تأسست بموجب اتفاقية السلام الشاملة الموقعة في نيفاشا سنة ٢٠٠٥م و دستورها الانتقالي، جهاز اساسي و مستديم من اجهزة الدول السودانية و مؤسسة حكم و ادارة مستمرة لها ميزانيتها و مقارها بسبب استمرار الحاجة اليها!

كانت الترتيبات الأمنية قاصرة علي الحركات الخارجة علي سلطة الدولة و علي القانون ..

اما بعد اعتراف رئيس الاركان السابق "الانقلابي" هاشم عبد المطّلب بانتماءه للحركة الاسلامية و ان المسؤول عنه "أميره" هو امين عام الحركة الاسلامية "الراحل" الزبير محمد الحسن، وهذا يفتح باب التساؤل علي مصراعيه عن عديد القادة و الضباط "النظاميين/ غير المتمردين" الذين ينتمون لذات التنظيم؟!!!

أو ينتمون لتظيمات سياسية أخري؟!!

و عديد ضباط الصف و الجنود كذلك !!

و في ظل قيادة البرهان و حميدتي للجيش و الدعم السريع، و معروف ان أي قائد جيش في العالم له فترة قيادة محددة بالقانون و معلوم متي تبدأ و متي تنتهي؛ فيما البرهان و حميدتي يمكثان علي رأس القوات بلا سقف زمني كأي قائد مليشيا او قوات متمردة خارجة عن سلطة القانون..

فانه مامن سبيل لانكار ان القوات المسلحة و النظامية الاخري قد جري تحويلها لمليشيا مثلها مثل حركات التمرد تحتاج لترتيبات أمنية و لسياسة "نزع سلاح و تسريح و اعادة دمج"..

فالبرهان (و حميدتي) يستغلون حالة ضعف المؤسسية في الجيش و لا يتقيدون بأي قيد زمني و بلا عهدة زمنية؛ و جعلوا من انجاز مهمة الانتقال هو القيد الوحيد و بالتالي كلما تعثر الانتقال و تأخر عني ذلك بقاءهم في سدة الحكم و القبض علي سلطة القرار !!

لذا من مصلحتهم ان يتعرقل الانتقال او بالأحري الا يتم مطلقا ...

عليه فان وضع ترتيبات امنية شاملة تضم جميع الفصائل و القوات، بما فيها القوات الحكومية، هو امر ضروري لضمان وضع اطار مؤسسي حاكم للقوات العسكرية و النظامية، يمثل غاية لا مناص منها حتي نضمن اولاً مؤسسات دولة قوية و كفؤة و فعالة و ثانياً تنتفي الحاجة التي تدفع سياسيين او مواطنين لأخذ القانون بأيديهم و الخروج علي سلطة الدولة ..

في السابق لم تكن للترتيبات الامنية أية أسس صارمة، لذا كان يتم دمج الكثير من الضباط و الجنود من الحركات الخارجة عن القانون (التي عادت و وقعت اتفاقات سلام) دون ان يكونوا مؤهلين لشغل المناصب العسكرية.. و لذا غالباً ما يعودوا لاحقاً للتمرد (قوات جوزيف لاقو- قرنق، سلفاكير، مناوي.. الخ)!

لذا فمن المهم بل و الضروري كذلك ان تتم وضع أسس و معايير حاكمة تضبط عمليات الترتيبات الأمنية..

و لتكن القاعدة الأساسية هي تسريح قوات الحركات التي عادت بعد خروجها عن سلطة الدولة "و وقعت اتفاق سلام"، و التأكد من ادماجها اجتماعياً في الحياة المدنية "الاقتصادية اولاً" ثم سائر المجالات، حتي لا تحدث أي مشاكل نتيجة اختلاف الطباع الذي تتسبب فيه مرحلة حمل السلاح بوجه الدولة و تجنب وقوع مشاكل "مرحلة ما بعد الحروب".

تسريح القوات و ادماجها في المجتمع و الحياة المدنية هو المبدأ الأول..

و القاعدة الثانية،  لا يتم استيعاب أي افراد من قوات المليشيات في القوات النظامية، الا ان كانوا مستوفين لضوابط الانتساب لتلك القوات ابتداءاً؛ أي مستوفين لشرط التأهيل الدراسي المعين، 

و شرط اللياقة الطبية،

و شرط المرحلة العمرية،

  بحيث تضمن القوات ان يخدم أولئك الأفراد لفترة معقولة و بكفاءة عالية..

كما يجب استيفاء شرط خلو الصحيفة الجنائية للفرد المدمج من الجرائم الخطيرة،

و لكون أولئك الافراد كانوا خارج سلطة القانون لفترة من الزمن فمن الضروري التأكد من الا يكونوا قد ارتكبوا اي جرائم قتل او نهب او اغتصاب او جرائم حرب، و يتم ذلك بالحصول علي تزكية من عدة افراد علي صلة بهم، لأن تنسيب مجرمين محتملين يمثل خطر كبير علي المجتمع و علي سلطة تطبيق القانون التي سيمثلونها..

هذا فيما يتصل بالترتيبات الأمنية المتعلقة بالقوات التي خرجت عن سلطة الدولة (حركات التمرد -الكفاح المسلح)..

اما الترتيبات الامنية الخاصة بالقوات النظامية، فتتطلب مراجعة سجلات و ملفات كل الافراد في كل الرتب المختلفة و من قمة القيادة الي احدث مجند و يتم استبعاد:

- اي فرد يثبت انتسابه لتنظيم سياسي او حزب، 

و تطبيق هذا البند يتطلب ان يؤدي كل فرد القسم بكونه لم بنتسب في الماضي او الحاضر لتنظيم او حزب سياسي او حركة دينية .. و ان كان قد انتسب في الماضي ان يقسم علي ان صلته بذلك التنظيم او الحزب او الحركة قد انفصمت تماماً و ان ولاءه للقوة التي التحق بها ..

- أي فرد تجاوز الفترة الزمنية المقررة قانوناً او في أي من لوائح و نظم عمل القوات بأي منصب قيادي او اي موقع،

- أي فرد لم يكن مستوفي لشروط الانتساب (التأهيل العلمي، اللياقة البدنية، خلو الصحيفة الجنائية)، و التحق بصفوف القوات بسبب المحاباة و المحسوبية،

- اي فرد يشتبه في ارتكابه لأي جريمة تخل بواجبه كفرد في قوة انفاذ القانون،

و يستبعد كل من ثارت بحقه شبهة ارتكاب جريمة اعتقال غير مشروع، او تعذيب، او أي من جرائم الحرب و الجرائم ضد الانسانية  و لو كان ذلك بمبرر طاعة الأوامر و التعليمات؛ لأن اطاعة الأوامر لها حدود قانونية يفترض في كل فرد ان يكون ملم بها، و يتم تقديم من ثارت حوله الشبهات الي الجهات المختصة للتحقيق معه و محاكمته.

- أي فرد ارتكب جريمة اساءة استخدام السلطة،

- أي فرد ارتكب أي من جرائم الفساد و الكسب غير المشروع..

بذا فقط نضمن ان تكون هذه آخر ترتيبات أمنية في تاريخ السودان، تنتفي بعدها التمردات و يتوقف نزيف الدماء و هدر الارواح و ضياع الموارد و تعطل التنمية و الصرف بلا طائل علي عمليات التسريح و الدمج و الاستيعاب التي لا تنتهي.

أغسطس ٢٠٢٢م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم تفريغ الجامعات والمعاهد من اي مضمون واضحت الدرجات العلمية مجرد القاب مملكة في غير موضعها...     فاحاديث الرجل لا توحي بشئ في هذا المضمار.. التخصص، كما ان المعلومات المتوافرة في قصاصات الصحف ولقاءات الاذعة لم تفصح عن شئ ايضا!    السيرة الذاتية المتوافرة علي موقعي البرلمان السوداني 'المجلس الوطني' و البرلمان العربي تقول ان البروف-الشيخ حاصل علي بكالريوس العلوم في الفيزياء و ايضا بكالريوس الاداب-علوم سياسية من جامعة الخرطوم! ثم دكتوراة فلسفة العلوم من جامعة كيمبردج. اي شهادتين بكالريوس و شهادة دكتوراة. مامن اشارة لدرجة بروفسير "بروف" والتي يبدو ان زملاءه في السلطة والاعلام هم من منحوه اياها!!    سيرة ذاتية متناقضة وملتبسة تمثل خير عنوان للشخصية التي تمثلها وللادوار السياسية والتنفيذية التي لعبتها!    ابرز ظهور لشخصية الشيخ-البروف كان ابان صراع و مفاصلة الاسلاموين، حينها انحاز البروف لف

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بينها ع

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانتهازيين علي اختلاف مشاربهم ( مؤتمر وطني، و مؤتمر شعبي،اخوان مسلمين، سلفيين، سبدرات، وابوكلابيش، والراحل شدو، اتحاديين الميرغني، و حاتم السر، و الدقير، و احمد بلال، واشراقة سيد، و احزاب امة مسار، و نهار، و مبارك المهدي، وحسن اسماعيل.. الخ ) و غيرهم يحاولون جميعا تصوير الأمر علي انه يعني سقوط البشير لوحده!   البشير لم يسقط وحده، فهو يرمز لعهد باكمله، و يرمز لاسلوب في الحكم و الإدارة وتسيير الشأن العام ( السياسة )، و بسقوطه سقط مجمل ذلك العهد و اسلوب الحكم و السياسة و الادارة..   و سقط ايضا كل من اعانوه او اشتركوا معه و كانوا جزء من نظامه في اي مرحلة من مراحله المقيتة. و حين تقوم مؤسسات العدالة وتنهض لاداء دورها سيتم تحديد المسؤوليات بدقة و بميزانها الصارم و سيتم توضيح ( من فعل ماذا؟ و من تخاذل متي؟ ). البشير لم يحكم وحده حتي وان استبد في اخريات ايامه و سنوات، بل كان له مساعدون و اعوان في ذلك الاستبداد و داعمين لان