سبق و كتبت منشور علي صفحتي قلت فيه ان احزاب المعارضة السودانية تمثل نقطة الضعف الاولي الرئيسية في ثورة السودان الشعبية (ديسمبر) و إن تلك الحالة الثورية دخلت كل البيوت و الرواكيب إلا دور و رواكيب الاحزاب، كان ذلك في الشهور الاولي لصعود احزاب المعارضة و تحولها الي ائتلاف حاكم (تم تضمين ذلك في صلب وثيقة الدستور الانتقالي)!!
اليوم و علي مشارف عام علي تولي ذلك الائتلاف لزمام الحكم و عام علي اداء وزراء الحكومة الانتقالية ليمين المسؤولية، فانني اقول و بكل ثقة ان احزاب قحت تمثل نواة غير ثورية لثورة عظيمة! و لهذا السبب تمر البلاد بمحن أمنية و اقتصادية كقطع الليل الحالك، و لولا قوة الدفع الثورية غير المسبوقة من الشارع غير المسيس لإنفرط كامل العقد و منذ وقت طويل..
و فيما يلي نبرز الشواهد علي عدم ثورية احزاب قحت .. و التي استغلت ميزة انها القوي السياسية المعروفة في الساحة و اكتسبت ارضية بتوقيع إعلان سياسي (إعلان الحرية و التغيير) في يناير 2019م. هذا الاعلان ليست له قيمة كبيرة في ذاته بالنسبة للثورة بخلاف انه شمل معظم القوي السياسية و المدنية و بالتالي نجح في حيازة قبول ليكون متحدثاً بإسم الثوار؛ و ليس وصياً عليهم؛ و علي الثورة، فهو إعلان وطني في المقام الاول و ليس إعلان سياسي لأن القوي التي امضته ليست احزاب فقط انما معها مختلف المكونات المدنية و الإجتماعية..
انما قيمته و منفعته العظيمة كانت لتلك الاحزاب التي وقعت عليه، بعدها تقدمت تلك القوي الصفوف ل(تتفاوض) بإسم الجماهير المعتصمة أمام مقر الجيش، و برغم تعهدها بانها لا تتفاوض باسمها و لمنفعتها انما تتفاوض بلسان الشعب و للمصلحة الوطنية .. لكن سرعان ما نسيت تعهدها و تحولت لائتلاف حاكم!
و لنأخذ مكونات قحت مجتمعة و "حزباً حزباً" لنقيم الدليل علي "لا ثوريتها"؛
ان احزاب المعارضة فشلت خلال عقود حكم الانقاذ الثلاث العجفاء في تعبئة جماهير الشعب السودان خلف مشروع وطني و سياسي موحد للاطاحة بذلك النظام الدموي الذي استباح دماء السودانيين في جهات الوطن الاربع و تخبط في لجة اقتصاد و غرق في موجة فساد و هدر عارمة.. و برغم ان كل مقومات الاطاحة بذلك النظام كانت قائمة منذ عامه الاول إلا ان تلك الاحزاب و الحركات (التجمع الوطني حينها) لم ترتقي لمستوي التحدي الوطني و تقسمت خلف شعارات متباينة و متفرقة كان ابرزها شعار و برنامج (الثورة الشعبية المعززة و المحمية بالسلاح) و لأن الثورة أما ان تكون شعبية بحق و لذا يجب ان تكون سلمية أو ان تكون مسلحة و هنا بالضرورة لن تكون شعبية بحيث يشترك فيها اوسع طيف شعبي؛ عليه كان مصير الشعار هو الفشل الذريع و تخلت عنها فصائل التجمع بمجرد ان وقعت الحركة الشعبية علي إعلان مبادئ الايقاد (1996م) و الذي كان النواة الاولي لاتفاق ميشاكوس الاطاري 2002م و الذي بدوره كان العمود الفقري لمفاوضات نيفاشا و اتفاق السلام الشامل الذي تمخض عنها في 2005م، و سرعان ما تبدد شمل و انفض سامر التجمع الوطني، و حتي عندما استعاضت الاحزاب عنه بائتلاف قوي الاجماع لم يكن حال الاخير و مصيره أفضل من حال سلفه فخرج من عباءته ائتلاف نداء السودان ..
و علي كل حال تلك كلها كانت منخرطة بشكل أو آخر في مشاريع تسوية مع السلطة كان اخرها "خارطة الطريق" برعاية لجنة ثابو امبيكي.
اما منفردةً:
حزب الامة: هو حزب يعاني من اختلالات في عمق بناءه التنظيمي ما يجعل تسميته ب"حزب الأسرة" اصدق من "الامة" حزب أو كتلة لا صلة لها بالقيم الديمقراطية و تزعم مع ذلك انها لاعب رئيسي في "اللعبة الديمقراطية"! و هو كان منخرط بشكل أو آخر في صلات مع النظام البائد (الحوار الوطني) كما شارك بافرع منه علي الاقل في تحالف مع ذلك النظام (مبارك الفاضل و عبدالرحمن الصادق).
الحزب الاتحادي: و ينطبق عليه ذات ما قيل عن حزب (الامة/الأسرة) علاوة علي انه ظل مشارك بفصائل رئيسية مع النظام (الاتحادي المسجل بقيادة زين العابدين الهندي و الاتحادي الأصل بقيادة الميرغني) الغريب ان الفصيلين رغم التقاءهم علي التحالف مع الوطني حافظا علي حالة القطيعة بينهما ما جعل ائتلافهما مع المؤتمر الوطني اشبه بزيجة تم فيها الجمع بين الاختين!
فيما يأتي "التجمع الاتحادي" و الذي حظي بنصيب كتلة قائمة بذاتها؛ يأتي بصفحة بيضاء لا يستطيع احد ان يتكهن بخطواته و توجهاته المقبلة!
الشيوعي: برغم انه لم يشارك في ائتلاف مع الوطني (إلا اللمم) لكنه ظل يتحدث عن حوار واضعاً شرط (تهيئة مناخ الحوار) عازل بينه و بينها، إلا انه علي كل حال لم يراهن بكل ثقله (ان كان له ثقل) علي ثورة شعبية تسقط النظام!
هذا يعني ان الشيوعي هو احد تيارات الهبوط الناعم و إن اختلفت درجة "النعومة".
المؤتمر السوداني: و كان هذا الحزب الناشئ و الصغير هو الاعلي صوتاً خلال العقود الماضية فادبياته (صراع المركز و الهامش و منهج التحليل الثقافي) اضحت مادة لكل الحركات السياسية المسلحة و الاحزاب (يلاحظ الأن ان رموز النظام البائد يلعبون علي ذات الوتر -التهميش و الوسط النيل ..الخ- في معارضتهم لاوضاع ما بعد السقوط، لأن ذلك الخطاب هو خطاب مظلومين/مظلومية بامتياز!) و رغم علو صوته الا انه انخرط في الاشهر القليلة التي سبقت الثورة في جدل حول الاسلوب الامثل للتغيير و بدا مراهناً علي "التغيير الانتخابي" فيما يعرف بالهبوط الناعم اكثر من رهانه علي ثورة شعبية تسقط سلطة المؤتمر الوطني.
احزاب البعث: تلك الاحزاب اكتفت في معارضتها للسلطة بمحاولة انقلاب 1990م و لكونها ذات جذر خارجي فقد تضررت من موقف النظام البائد المساند لغزو العراق- البعثي لدولة الكويت و ما تأسس عليه من صلة قوية بين الخرطوم و بغداد!
ام المكونات غير السياسية لقحت؛ ك/ تجمع المهنيين: والذي يحسب له انه تصدي لتوجيه التظاهرات في اسبوعها الثاني، إلا انه يخوض متاهة بين كونه ائتلاف نقابي أو فصيل سياسي (يساري-جيفاري) و يمر بمحنة انقسامات؛ قد تعصف بوجوده من المشهد الوطني بالمحمل.
بينما تحالف المجتمع المدني: و الذي يضم منظمات طوعية وطنية فليس بأحسن حال و إن بدا انه متماسك، فالمنظمات المدنية و العمل الطوعي السوداني خلال عقود حكم الاسلامويين تحول الي جيب و ملاذ لجأت إليه معظم الفصائل السياسية و كل من وجد نفسه مقصياً من المشهد العام و العمل العام، لذا فالعمل المدني يفتقد لابجديات العمل الطوعي-المدني و اصبح مجرد مجال عمل "بزنس"! و برغم تحكم من يقودون ائتلاف المجتمع المدني في زمام اموره حالياً، إلا ان تفجر الاوضاع فيه اسوة بالنقابات و الاحزاب السياسية يبقي محتملاً بل و مرجحاً ايضاً، و إن حدوثها يبقي مسألة وقت لا غير.
و رغم الانتقادات التي توجهها فصائل في "قحت" في وجه بعضها الآخر إلا انها لا تعدو كونها مكايدات سياسية و حزبية رخيصة... قحت ملة واحدة لا فضل لحزب علي آخر و لا لحزبي علي حزبي.
لكن ليس هذه خاتمة المطاف، فثورة بعظمة ديسمبر المجيدة و الممتدة لن تنتهي عند هذا الحد بل ان زلزالها الذي اسقط حكم؛ كانت تظنه احزاب قحت نفسه لن يسقط؛ ستكون لها هزات ارتدادية و أول من يتعرض لها ستكون احزاب قحت ان لم تتمثل التغيير في ذاتها.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
أغسطس ٢٠٢٠م
تعليقات
إرسال تعليق