التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الذي يسقط البشير!

   ان الذي مكن البشير من الحكم طيلة الثلاثين عاما هو عجز المعارضة وفشلها في امتلاك مشروع سياسي للحكم، وعن صياغة برنامج وطني قابل لأن يتصوره الناس و يستوعبوه وبالتالي يدعمونه حتي يتحقق كواقع.
   فالمعارضة ممثلة في التجمع الوطني الديمقراطي الذي انحل تلقائيا و قوي الاجماع ونداء السودان التي خلفته و الحركة الشعبية الجنوبية قبل الانفصال كلها لم ترتقي لمستوي تقديم برنامج وطني ومشروع سياسي يتجاوز انفها وظلها القصيران الي الاحتياجات العاجلة والانشغالات الشعبية والوطنية العامة..
   لذا و طيلة عقود الانقاذ الثلاثة كان اكبر مهدد لاستقرار نظامها هو الصراعات والخلافات الداخلية الناتجة عن انسداد الافق المبين!
   اول تلك الخلافات كان بين النائب الزبير و مجملة المنظومة وحينها وحسب الروايات فان الزبير كان يخطط 'بسند مصري' لحركة تصحيحية تتطيح بالبشير والترابي معا؛ لكن هذا المخطط اجهض بحادثة طائرة الناصر والتي قتل فيها الزبير و عدد من القادة الجنوبيين.
   ثاني تلك الصراعات والخلافات هو ما وقع بين تياري الحكم الرئيسيين 'الاسلامويين المدنيين و الاسلامويين العسكريين!' الفريق الاول بزعامة الشيخ الترابي و الثاني بقيادة الرئيس البشير، وضم الفريق الثاني عدد من المدنيين الذين تنفذوا بسبب امساكهم بملافات امنية.
   كان سبب الخلاف الرئيسي شخصي بامتياز و هو رغبة الشيخ في تولي زمام القيادة كاملا بنفسه وليس الحكم من وراء الحجب والكواليس والاشخاص! فهو و تلامذته الخلص وحوارييه يرونه احق فهو صاحب المشروع الاسلاموي وعرابه ومفكره ومخططه، بينما كان البشير و معه محازبوه من العسكر و الامنيين يرون انهم من خاطروا بتنفيذ المخطط و تحملوا وزر المسؤولية التاريخية و السياسية، وبالتالي يحق لهم الاستمرار في القيادة و جني ثمار 'التغيير' الذي احدثوه!
   وصل الفريقان الي طريق مسدود و في الخاتمة كان لابد من الصدام الذي نتجت عنه المفاصلة واخراج الشيخ و قبيله من مؤسسات الحكم.
   ثالث الصراعات كان بين البشير و ابراهيم شمس الدين و هو احد انشط الضباط الانقلابيين وتولي اخطر الملفات العسكرية والأمنية، هنا الصراع والاختلاف داخل خندق العسكر انفسهم! ويبدو؛ بعد تداعي المشروع السياسي الاسلاموي تكشف لبعضهم ومن بينهم القائد الانقلابي شمس الدين خطل المشروع برمته فقرر الاقدام مجددا علي خطوة تصحيحية علي طريقة العميد الزبير؛ لكن ولسخرية التصاريف والاقدار كان اجهاض مخططه بذات الكيفية التي اجهض بها مخطط الزبير، بحادثة طائرة ولكن هذه المره في جنوب كردفان.
   من الواضح ايضا ان الذي افتقدت اليه المعارضة 'المشروع السياسي والبرنامج الوطني' و الخارطة التي يهتدون بها في خضم الازمات المتكاثفة.. هو ذاته ما افتقد اليه الذين ارادوا مصادمة النظام من داخله؛ ولذا كان التخلص منهم امر في غاية البساطة علي الفريق القابض علي السلطة بقيادة البشير.
  فلو كان لأي منهم (الزبير أو الترابي أو شمس الدين)  برنامج وطني و مشروع سياسي تم تمريره للجمهور و حظي بنسبة شعبية معقولة لأصبح في مقدورهم هز كراسي السلطة تحت القابعين عليها، او علي الأقل لما انتهت محاولتهم الي الحال الذي انتهت اليه 'كأن لم تكن'.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...