كلما حدث ما يوتر العلاقات "المتوترة خلقة ربنا" بين "دولتي" السودان وما يشوب صفوها؛ لوحنا من جانبنا بقفل الانبوب الناقل للنفط وإغلاق الحدود .. ولوحوا من جانبهم "أي حكومة الجنوب" بمشروع بناء خط انابيب عبر كينيا، وكلما هدأت النفوس عدنا لكلام "المليس" وليس لكلام العقل والمصالح.
صحيح ان الملف الأمني لاينفصل عن ملف العلائق الاقتصادية والتجارية "النفط علي راسها" وان التوتر فيه يلقي بظلال سالبة عليهما ، إلا ان الحديث القائل بأن حسم الملف الأمني مقدم علي فتح بقية الملفات حديث تعوزه الحكمة.
اليس من الوجاهة القول بأن تقوية المصالح والروابط الاقتصادية والتجارية يمكن ان يلقي بظلال ايجابية علي الملفات الامنية والسياسية ويقود الي تهدئة بل وسلام دائم؟
ان مصلحة الدولتين والشعبين والحكومتين تقتضي هدوء الاحوال الامنية علي النقاط الحدودية وصولاً لأعلي مستوي من التنسيق والانسيابية التجارية والادارية للسلع والبضائع والخدمات بين البلدين، تلك حقيقة لا أجادل بشأنها، لكن الوصول الي تلك التهدئة وحسم الملفات الامنية "دعم المعارضات المسلحة ومنازعات الحدود..الخ" ألا تقتضي ايضاً الاعتراف بقيمة واهمية المصالح الاقتصادية للجانبين الرسميين والشعبيين؛ وان المكاسب المادية التي تعود علي الشعبين جراء تطبيع الصلات بين الخرطوم وجوبا يمكن ان تمثل دافعا للوصول لتلك التهدئة الامنية العسكرية المنشودة؟
لتحسين الصلات بين الخرطوم وجوبا وتمتين الروابط الاقتصادية علي اساس مصلحي سليم أقترح علي الجانبين ان يقوما بترفيع التعاون النفطي من مجرد "صلة أنبوبية" الي شراكة اقتصادية نفطية وذلك عبر انشاء شركة تساهم فيها الحكومتان مع القطاع الخاص في البلدين؛ وحبذا لو ترك ترك النصيب الاوفر للقطاع الخاص "الشمالي والجنوبي" واكتفت الحكومتان باسهم رمزية، مع الاتفاق علي ان تتولي الشركة "الشمالجنوبية" واقترح تسميتها شركة نفط الشمال والجنوب، ان تتولي عمليات تصدير النفط وتشغيل الانبوب وعمليات التنقيب والاستخراج في مناطق التماس علي ان تنتقل للعمق شمالا وجنوبا في المستقبل مع تنامي الثقة و زوال المخاوف والشكوك.
هذه الشراكة النفطية ان نجحت وحققت الشركة مكاسب اقتصادية وأزالت الهواجس بخصوص استغلال اي طرف للأخر؛ يمكن ان يتم نقل التجربة الي أنشطة اقتصادية أخري " زراعية،او صناعية، أو تجارية، أو نقل، او اتصالات، أو كهرباء...الخ"
إن القاعدة الاساسية التي يعتمد عليها هذا المقترح هي ان اهتمام كل جانب ومراعاته لمصالح الطرف الآخر الاقتصادية سيقود لا محالة لأن يرد الطرف الاخر الاهتمام بإزالة مخاوف ومشاغل الطرف المقابل الامنية.
تعليقات
إرسال تعليق