التخطي إلى المحتوى الرئيسي

نفط الشمال والجنوب

 كلما حدث ما يوتر العلاقات "المتوترة خلقة ربنا" بين "دولتي" السودان وما يشوب صفوها؛ لوحنا من جانبنا بقفل الانبوب الناقل للنفط وإغلاق الحدود .. ولوحوا من جانبهم "أي حكومة الجنوب" بمشروع بناء خط انابيب عبر كينيا، وكلما هدأت النفوس عدنا لكلام "المليس" وليس لكلام العقل والمصالح.
  صحيح ان الملف الأمني لاينفصل عن ملف العلائق الاقتصادية والتجارية "النفط علي راسها" وان التوتر فيه يلقي بظلال سالبة عليهما ، إلا ان الحديث القائل بأن حسم الملف الأمني مقدم علي فتح بقية الملفات حديث تعوزه الحكمة.
  اليس من الوجاهة القول بأن تقوية المصالح والروابط الاقتصادية والتجارية يمكن ان يلقي بظلال ايجابية علي الملفات الامنية والسياسية ويقود الي تهدئة بل وسلام دائم؟
 ان مصلحة الدولتين والشعبين والحكومتين تقتضي هدوء الاحوال الامنية علي النقاط الحدودية وصولاً لأعلي مستوي من التنسيق والانسيابية التجارية والادارية للسلع والبضائع والخدمات بين البلدين، تلك حقيقة لا أجادل بشأنها، لكن الوصول الي تلك التهدئة وحسم الملفات الامنية "دعم المعارضات المسلحة ومنازعات الحدود..الخ" ألا تقتضي ايضاً الاعتراف بقيمة واهمية المصالح الاقتصادية للجانبين الرسميين والشعبيين؛ وان المكاسب المادية التي تعود علي الشعبين جراء تطبيع الصلات بين الخرطوم وجوبا يمكن ان تمثل دافعا للوصول لتلك التهدئة الامنية العسكرية المنشودة؟
  لتحسين الصلات بين الخرطوم وجوبا وتمتين الروابط الاقتصادية علي اساس مصلحي سليم  أقترح علي الجانبين ان يقوما بترفيع التعاون النفطي من مجرد "صلة أنبوبية" الي شراكة اقتصادية نفطية وذلك عبر انشاء شركة تساهم فيها الحكومتان مع القطاع الخاص في البلدين؛ وحبذا لو ترك ترك النصيب الاوفر للقطاع الخاص "الشمالي والجنوبي" واكتفت الحكومتان باسهم رمزية، مع الاتفاق علي ان تتولي الشركة "الشمالجنوبية" واقترح تسميتها شركة نفط الشمال والجنوب، ان تتولي عمليات تصدير النفط وتشغيل الانبوب وعمليات التنقيب والاستخراج في مناطق التماس علي ان تنتقل للعمق شمالا وجنوبا في المستقبل مع تنامي الثقة و زوال المخاوف والشكوك.
  هذه الشراكة النفطية ان نجحت وحققت الشركة مكاسب اقتصادية وأزالت الهواجس بخصوص استغلال اي طرف للأخر؛ يمكن ان يتم نقل التجربة الي أنشطة اقتصادية أخري " زراعية،او صناعية، أو تجارية، أو نقل، او اتصالات، أو كهرباء...الخ"
  إن القاعدة الاساسية التي يعتمد عليها هذا المقترح هي ان اهتمام كل جانب ومراعاته لمصالح الطرف الآخر الاقتصادية سيقود لا محالة لأن يرد الطرف الاخر الاهتمام بإزالة مخاوف ومشاغل الطرف المقابل الامنية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...