في
سعيها لإحداث انفراج لأزمات النقل والمواصلات والزحام المروري درجت سلطات الولاية علي
تحويل وتبديل ونقل مواقف الحافلات والمواصلات من اماكنها مرارا وتكرارا، وبرغم نقل
تلك "المواقف" اربع او خمس مرات
خلال سنوات معدودة إلا هذا العمل ظل عديم الجدوي والنفع .. حتي بدا وكأن الهدف
الوحيد الذي يتحقق من ذلك التبديل هو ارهاق المواطن وزيادة متاعبه .
بالمجمل فان ازمة
المواقف "المبدلة" وخطوط المواصلات وصعوبات الانتقال والزحام المروري
تصلح لأن تكون تيرمومتر لقياس ومعرفة حال الخرطوم ومؤشر يوضح عمق وتعقد أزمات هذه
المدينة ثلاثية الابعاد "الخرطوم، امدرمان، وبحري".
ان عدم جدوي
عمليات تبديل المواقف وتغيير اتجاهات الحركة في شوارع الخرطوم ينبغي ان تفهم منه
السلطات المختصة ومن أول مره ان ازمة هذه المدينة أعقد من كونها مجرد ازمة سير
وحركة وانها ازمة مدينة يفتقد القائمين علي امرها وادارة شأنها للرؤية
الاستراتيجية والافق الذي يقود الي حلول دائمة.
أزمة الخرطوم
الجوهرية هي ازمة مدينة كبرت وازدادت مساحتها وسكانها بسرعة غير طبيعية وبسبب ظروف
غير طبيعية، حدث ذلك دون ان يواكبه تخطيط مدروس مع غياب تام للعقلية التي تستوعب
حجم المشكلة وأبعادها. فهكذا ازدادت مساحة المدينة عشرات الاضعاف وكذا سكانها في
حين ظلت الخدمات المقابلة (لاسيما المواصلات) في تناقص وتقاصر.
كذلك لم يواكب
نمو المدينة توسع في تخطيط الطرق العامة والتي ظلت علي حالها او في احسن الاحوال
ازدادت بنسب ضئيلة، وايضا خدمات خطوط المواصلات العامة والتي انسحبت الدولة
بالكامل من هذا المجال وتركته لأصحاب وسائقي
الحافلات والبصات وباقي وسائل النقل، وقد اكتفت السلطات بتحديد تعرفة النقل
(قيمة التذكرة) مع ضعف بائن في التطبيق حتي اصبحت قيمة التنقل غير معلومة بصورة
تجعلنا نجزم بأن شأن المواصلات الداخلية في الولاية أصبح يتحكم فيه السائقون
والمتحصلون والكمنسجية بدءاً من تحديد مسارات الخطوط وانتهاءاً بقيمة التذكرة!...
وحتي عندما تتدخل السلطات فانها تتدخل (كما في نقل المواقف) بشكل تحكمي وغير مدروس
وقرارات من الواضح انها من بنات افكار شخص لا صلة له بالمواصلات ومعاناتها، ولم
يؤخذ فيها برأي خبراء في الهندسة ولا شرطة المرور وادارة النقل ولا غرفة ملاك
وسائقي سيارات النقل العام.
ان أزمة
"تبديل المواقف" التي انضافت لباقي ازمات المدينة لن تحل إلا عبر اشراك
كل الجهات ذات الصلة والشأن والتي اشير لها آنفاً، وايضاً عبر وضع خطة تراعي ان
تكون الحلول فيه جذرية برسم خارطة جديدة لخطوط مواصلات المدينة وتهدف ابتداءاً
لوضع حلول تدوم لأطول فترة ممكنة بدلاً عن الحلول الجزئية والاعتباطية والتي لا
تستمر الا لأشهر معدودة في احسن الاحوال!!
هنالك اصوات بدأت تعلو منبهة الا ان قلب
الخرطوم لم يعد يتحمل المواقف وزحامها.. وهي اصوات محقة لذا فان هذا الوضع أدعي
لأن يتم رسم خارطة مواصلات جديدة يراعي فيها ان تكون خطوط عابرة طوليا وعرضيا
ودائريا، وان تتم ايضاً دعوة وحث ملاك وسائل المواصلات ممثلين في غرفهم واتحاداتهم
لتنظيم عملهم قانونياً وادارياً لتحقيق اعظم فائدة لهم زيادة وتكثيف حهدهم لتقديم
خدمات نقل متطورة وذلك بدلاً عن العشوائية الراهنة.. وبدلاً عن مضايقتهم وفتح
الباب والمجال امام مستثمرين "انتهازيين" ورجال متنفذين عبر شراكات
بينهم وبين ادارات حكومية.
تعليقات
إرسال تعليق