التخطي إلى المحتوى الرئيسي

زمن الرقيب

بلاشك فان ممارسة الرقابة "أي شكل منها" علي الصحافة والرأي والنشر
تمثل انكاراً لأهمية الرأي الحر وإهداراً لقيمة التفكير وحطاً من قيمة
العقل وتقليلاً من أهمية دور الصحافة ورسالتها و استخفافاً بحق التعبير
والنشر والحق في امتلاك المعلومة وتداولها.. واهداراً كذلك لحق أصيل ومهم
من حقوق الانسان المعترف بها والمرعية دولياً، وتمثل كذلك وصايةً علي
المجتمع بكل فئاته " نخبه وعامته" من قبل واحدة هي الفئة الحاكمة
والمتنفذة.
   ان الرقابة علي اختلاف اشكالها والتي ظلت مفروضة علي الصحف وسائر
المطبوعات طيلة عهد الانقاذ تسببت في تشوهات في الجسد الصحفي والاعلامي
ولن تزول تلك التشوهات الا بسلسلة من الاجراءات والتدابير العلاجية والتي
ستستغرق زمناً ليس بالقصير..
   المضحك المبكي في شان الصحافة والرقابة في بلادنا توضحه عدة مواقف
تأخذ طابع الطرائف ويتداولها الصحفيون والاعلاميون في اوساطهم، وتوضح تلك
الطرائف "التراجيدية أو الكوميديا السوداوية" حجم المأساة التي يعيشها
الاعلام وحجم المعاناة التي يمر بها الصحفيون وفداحة الخلل الذي تسببت به
الدولة الانقاذية عبر رقابتها،
  من تلك "الطرائف" ان احد الرقباء زار احدي الصحف (والرقباء من زوار
الليل ايضاً) وعند اطلاعه عليها لم يجد ما يستحق الحذف فسأل العاملين
بتلك الصحيفة متعجباً " في زول جاكم مننا؟؟" ويعني "زول" من رقباء الامن
قام بحذف ما يعتبره الجهاز تجاوزاً!
  ايضاً يروي ان احد الرقباء زار صحيفة الايام وكذا الحال " لم يجد ما
يستحق حذفه وما يستدعي الرقابة !" وعندما هم بالمغادرة خاطبه الاستاذ
محجوب محمد صالح "متهكماً" (ياخ معقول تمرق ساي كدا؟ احذف ليك أي حاجة)!!
  وكذلك يروي ان احد الرقباء الذي نسي نفسه وتجاوز دوره كرقيب وتجاوز
صلاحيات رئيس التحرير بل وصلاحيات الناشر كذلك! حينما طفق يعدل مادة عمود
صحفي لأحد كبار كتاب الاعمدة في السودان بحجة ان بعض عباراته تكررت بصورة
مملة!!
  ومن تلك الطرائف ايضاً يروي انه في فترة ما تعددت وكثرت المجادلات
والمشاجرات بين الرقباء والصحفيين فقرر الاوائل "الرقباء، وجهازهم من
خلفهم" ان تتم الرقابة والحذف في مبانى الجهاز وكان علي الصحفيين ان
ينتدبوا من يحمل صحيفتهم قبل الطبع الي ذلك المقر تماماً كالتلميذ الذي
يحمل كراسته الي معلمه!!
   قيل اسابيع قليلة تواترت انباء تفيد بأن السلطات (الرقابية) قررت رفع
الرقابة القبلية "تمارس قبل الطبع"، لكن قبل ان تبين الجميع "ناشرين،
وصحفيين، وقراء" صحة هذه الانباء وأثرها المحتمل علي الصحافة والنشر
وحرية التعبيير.. فاذا بنباء آخر يفيد بأن "ذات السلطات" قد قررت ايقاف
صحيفتين عن الصدور" المجهر والانتباهة" و لآماد ليست بالقصيرة .
 بطبيعة الحال ورغم ان تينك الصحيفتين مقربتين لتلك السلطات وللنظام
ومحسوبتان عليه ..، الا ان القرار صدر دون امهال للصحيفتين ودون مراعاة
لكونهما مؤسستان لديهما التزامات تجاه قراءهما وعمالهما ومطابعهما
والمعلنين فيهما وجهات أخري لامجال لحصرها هنا !
   ان هذا الوضع يمثل انتهاك للحقوق الدستورية ولحقوق الانسان وهدما لركن
من اركان الحياة المدنية والسياسية بما ينبغي التصدي له بكل الوسائل
والسبل القانونية وليس التعاطي بطريقة الاجاويد والوساطات التي تتبع
الأن!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...