التخطي إلى المحتوى الرئيسي

سيدات الشاي




   لا أحد يعلم علي وجه الدقة ( لا الجهاز المركزي للإحصاء ولا وزارة الرعاية الاجتماعية ولا حتى إتحاد المرأة) عدد السيدات اللائي يعملن في مهنة بيع الشاي والقهوة وباقي المشروبات الساخنة، ولا بداية انتشار وتفشي هذه الظاهرة..
   لكن يمكن القول ان عددهن يدخل في مضاعفات العشر ألالاف، فالملاحظ انه مامن شارع يخلو منهن؛ ففي كل ناصية وتحت ظل كل شجرة أو مبني في قلب المدينة، وحتي تحت سياط الشمس اللاهبة تجد إحداهن تمارس عملها.. وفي الامسيات يتضاعف العدد فتمتلئ معظم الميادين خصوصا في طرف المدينة بمواقف الفحم وكراسي البلاستيك ..وتعبق روائح البن والبخور في الاجواء.
ولعل الظاهرة بدأت أواسط الثمانينات وتفاقمت في التسعينات بفعل ظروف الجفاف والحرب وتركزت في العقدين الاخيرين مهذا القرن الجديد بسبب الضوائق الاقتصادية والمعيشية.
   معظم من يعملن في هذا المجال هن من بنات البلد "السودانيات" مع منافسة ملحوظة من الفتيات الاثيوبيات..
   وبرغم رقة حالهن وجور الدنيا عليهن إلا أنهن أيضاً لايسلمن من عسف سلطات الولاية والمحلية.، فهن يبقين في حالة ترقب ومطاردة وشد مستمر مع موظفي المحلية وشرطتها.. وعرضة لغراماتها المستمرة ومصادرة أدواتهن، دون ان يتلقين دعم أو مساندة من أي جهة.
   وبرغم ان هناك تصريح صدر من الوالي أو المعتمد " لا أذكر" بايقاف هذه الممارسة "الكشات" إلا انها توقفت لأسابيع ثم عادت من جديد.
  وفي الواقع فان تلك "الكشات" لا تمثل ممارسة تهدف للحد أو لمكافحة أو لتنظيم هذه الظاهرة " فأحيانا تقوم المحليات بالتنسيق مع جهات اخري ببيع وترخيص صناديق واماكن لهؤلاء النسوة ثم لا تلبث ان تعود لسابق عهدها في ملاحقتهن!!" بقدر ما تهدف لزيادة غلة المحليات من التحصيل والغرامات المفروضة علي هذه الفئة الضعيفة والمستضعفة.
   وهي ممارسة "الكشات والغرامات" غير كريمة بل وتسببت في مآسي نتجت عن سقوط بعض النسوة "بعضهن حوامل" أثناء الفرار من سلطات المحلية، وتسببت في أضرار جسيمة لبعضهن.
   إن ديدن السلطات التي تدمن التعامل مع الأعراض و تهمل اصل الظواهر و أسبابها ينبغي ان يتوقف، وعليها ان ايضاً ان توقف هذه الممارسة المذلة "الكشة والمطاردة" وان تعكف علي وضع حل جذري للمشاكل التي تسببت في انتشار الظاهرة ومعالجة كاملة لأصل الازمة "السياسي والاقتصادي والاجتماعي" وابتكار انشطة جديدة بدلاً عن الممارسات الحالية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...