التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ما الذي تريده محاور الاقليم من السودان؟

 يناير ٢٠٢٢م

و كيف تجد لها عملاء متفانين في خدمتها؟! 

لمحاور الاقليم غرض أساسي من وراء تدخلها في السودان و هو احباط الانتقال الديمقراطي فيه؟ ذلك لأنها تعتقد في دخيلتها ان اي توجه نحو الديمقراطية في المنطقة ستنقل منه العدوي السياسية الي بلدانها المستقرة سياسياً، و لأن معظم تلك الدول مستقرة قياساً الي السودان و لأنها كلها تتوافر علي فوائض مالية ممتازة (عدا مصر) و علي بنية اقتصادية مريحة فانها تستغل ميزتها المالية و الاقتصادية لتنفيذ تدخلاتها في بقية الاقطار..

و رغم ان مخاوفها تلك تبدو واقعية (احداث الربيع العربي في البحرين و شرق السعودية) الا انها في الواقع تبلغ مرحلة الخوف المرضي و الاوهام..

فما حدث في البحرين سببه اهمال دول الخليج لذلك البلد الفقير و برغم تعاونهم المزعوم (دول مجلس التعاون الحليجي) الا انه يبقي بلد متواضع الموازنة و ليس له من امتيازات الخليج الا الموقع الجغرافي فقط!

اما شرق السعودية فيمثل اشكال الاجتماعي اكثر من كونه اشكال سياسي فالطائفة الشيعية التي تهيمن علي تلك المنطقة تعيش حالة من التهميش الاقتصادي و الخدمي (الاجتماعي) و لا تزال الدولة هناك توظف الاختلاف المذهبي بصورة مسيئة.

خوف محاور الاقليم من عدوي الديمقراطية موضوع يطول الحديث عنه و قد فصلنا فيه في غير هذه المناسبة؛ و ما يهمنا منه هنا هو تأثير ذلك علي السودان و في هذه المرحلة الدقيقة بعد اسقاط حكم البشير و الاسلاميين...

حاجة السودان للديمقراطية متأصلة و متجذرة فبخلاف ان السودان حقق استقلاله عبر عملية ديمقراطية تعددية (الحكم الذاتي)، ما يعني ان الديمقراطبة الليبرالية متأصلة في بيئته الشعبية، فان الانتقال الديمقراطي يحتاجه السودان اليوم لاعادة بناء و تأسيس اجهزة حكم القانون و سائر هيئات الحكم و الادارة التي هدها النظام الاسلاموي بقيادة البشير، و بدون انتقال ديمقراطي لن يستطيع السودان من اعادة تأسيس دولته و الخروج من هوة الفقر و المجاعات و الحروب و النزاعات المجتمعية.

ان حوجة السودان للانتقال الديمقراطي اذن هي حوجة وجودية و من يحارب و يعرقل ذلك التوجه يحكم علي الدولة السودانية و علي السودانيين عموماً بالفناء .. عليه فان من يتدخل في شؤون السودان السياسية فانه يشن حرب بقاء ضد السودانيين و الويل لمن يعادي السودان و السودانيين.

  بخلاف تدخلها لعرقلة و اجهاض الانتقال الديمقراطي المدني فان لابقاء السودان علي حاله فوائد ثانوية تجنيها تلك الدول من تدخلها، اذ تستطيع ان تمول تدخلها و سداد مدفوعات عملائها من واردات السودان نفسه التي تتحصل عليها تلك الدول من استغلالها لحالة الفوضي الادارية و السيولة و ضعف الحكم... فالامارات تحتكم اليوم علي اعلي مخزونات من الذهب و اصبحت من اهم الدول المصدرة له، كل ذلك علي حساب استمرار القمع و الاحداث الدموية في مناطق انتاج الذهب في السودان (جبل عامر و جبل مون في دارفور و جبال النوبة) كما اصبحت من اكبر الدول المصدرة للصمغ العربي! و الله اعلم ماذا ايضاً من صادرات السودان؟

كذلك تستفيد مصر من هيمنة نظام ضعيف شعبياً في السودان و قابض امنياً لتتدفق اليها وردات اللحوم بأبخس الاثمان، كما تتمكن من تصنيع و تصدير العديد من حاصلات السودان كالجلود اضافة للمنتجات الزراعية العديدة الاخري..

هذه الفوائد التي تعود عليها تمكنها من سداد فواتير العملاء و كأنها تجود عليهم فيما هي اموال السودان (بضاعتنا ردت الينا) و لكن لتستخدم سهم في صدورنا و خنجر في رقابنا بل و تحقق لدول الاقليم ارباح اضافية كبيرة..

للأسف تجد محاور الإقليم كثير من الساسة و كبار موظفي الدولة مستعدين لتقديم خدماتهم لتلك المحاور و بأثمان زهيدة تعود علبهم مقابل تردي السودان في الفوضي و الفساد و التدهور المريع.. و مع كون أولئك "العملاء" يقدمون انفسهم كضمانة للاستقرار و حصن من الانزلاق في سيناريو مماثل لليمن و سوريا! مع ان السيناريو السوداني سابق و افدح من بقية السيناريوهات، فالسودان دولة انقسمت، بعد ان خاض واحدة من اطول الحروب الأهلية في افريقيا بل و العالم، و ما كادت تلك الحرب ان تضع اوزارها بانفصال الجنوب حتي اندلعت احدي المآسي الانسانية في افريقيا..

اذن فسيناريوهات الانزلاق ليست مما يصلح لاخافة السودانيين، فالسيناريو السوداني هو ما ظلت تتخوف منه الشعوب و الحكومات علي السواء.

القائمة التي تسربت قبل ايام و التي حوت اسماء تسعين من اولاد كبار قادة الدولة تم قبولهم بجامعات دولة خليجية بتكلفة تفوق المائة الف ريال في الشهر اي قرابة المليون ريال في العام تصلح كمؤشر علي نفقات محاور الاقليم عبر عملائها لتثبيت نظام قمعي يعوق احداث نقلة ديمقراطية تسهم في بناء مؤسسات حكم القانون و جهاز اداري و حكم قوي يقبض علي موارد السودان و يوجهها لمشاريع تنمية الشعب السوداني.. و ما خفي من قوائم اعظم و كلها يتم الصرف عليها في الواقع و في الحقيقة من موارد السودان نفسه؛ اي ان موارد السودان ترتد عليه و تستعمل لعرقلته! 

   

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...