التخطي إلى المحتوى الرئيسي

صدقوا أو لا تصدقوا: نقاط الضعف في الثورة

نقطة الضعف الثانية في مسار الثورة و التغيير هي الاعلام

قلت في وقت سابق و غير هذا المكان ان اضعف الحلقات في ثورة ديسمبر المجيدة و المديدة هي الاحزاب و القوي السياسية و دللت علي ذلك بالشواهد و المشاهد و قلنا انها لم ترتقي بعد لمقام الثورة "ثورة اعادت موضعة مفاهيم السياسة السودانية وصححت كل اخطاءها؛ و ابطلت استغلال الدين و القبيلة و المؤسسة العسكرية في السياسة.. الخ" بينما لا تزال الاحزاب قاصرة عن ان تتحول من روابط ناشطين و تجمعات عوائل و شلل أولاد الدفعة الي ان تكون احزاب حقيقية "اجهزة انتاج الرأي و الموقف و البرنامج السياسي".. و قلنا انها لم ترتقي لقامة الثورة و ان لم ينقطع العشم في ان تفعل.
اليوم نقف علي نقطة الضعف الثانية و هي الاعلام (الصحافة السودانية الورقية و الالكترونية و القنوات الفضائية و البث-تلفزيونية و الاذاعية و دور النشر و سائر وسائط الاتصال الجماعية)،

 فالثورة التي بهرت العالم أجمع و استقطبت اهتمام كبريات وكالات الانباء والقنوات الاخبارية و الصحفية العالمية؛ لم تجد من الاعلام المحلي "و هو الأقدر علي فعل ذلك لأنه الأدري بما يجري هنا" حقها من التغطية و التقصي و التوثيق، اذ سرعان ما انجذب الاعلام المحلي "غير المؤهل أصلاً و غير الاحترافي و لا المهني و الضعيف مادياً كذلك" سرعان ما انساقت وراء اغراء تغطية التنافس علي السلطة و علي ملء الفراغ السياسي الذي احدثته الثورة باسقاطها لكامل مشروع نظام البشير و حلفاءه الاسلامويين و حلفاء حلفاءه!
و كما تدافع كوادر الاحزاب و تبرر قصور هامة و همة احزابها بسنوات القمع الانقاذي الطويل "و هذا مبرر واهي" نتوقع ان يدافع "حرس قدس اقداس" الاعلام بمضايقات الانقاذ "في السابق" و تضييقها، و هذه الحجة قد تكون مقبولة جزئياً، فالانقاذ تحكمت في السوق الذي تستطيع ان تصل إليه يدها (الصحافة الورقية و البث التلفزيوني بالداخل) و ثمة تجارب لصحافة كانت تصدر بالخارج و مواقع صحفية الكترونية لكن للأسف كلها كانت تعاني من ذات الداء و كأنه مرض موروث!
داء الاعلام السوداني "المستقل" هو انه اعلام أفراد و ليس اعلام مجتمع! 

معظم الصحف مملوكة لاشخاص و تجدها تعبر عن رؤية فرد و اهواءه و مزاجه مع تقلباته!
الاعلام يلزم ان يكون مملوكاً للمجتمع ممثلاً في اعرض تيارات ممكنة، و هذه الميزة توفرها شركات المساهمة العامة التي تطرح اسهمها للجمهور، حتي لا يكون القارئ مجرد متلقي بل حكم و مساهم احياناً، و شركات المساهمة العامة توفر ميزة "حوكمة الشركات" متمثلة بالاساس في ميزة فصل الادارة "ادارة فنية و مالية" عن الملك- رأس المال.. فالاعلام المحوكم و المملوك للمجتمع تتوفر له قدرة مادية اكبر و خبرات و تنوع اعلامي اكبر و لذا هو اقدر علي الوصول و التأثير علي مجريات الامور و الاحداث، و ليس كصحافة الفرد الواحد.
أما مرحلة الاعلام الحزبي فهذا وضع تجاوزه الزمن بينما لا تزال احزابنا تصر علي الخوض في وحل الصحافة المنحازة و المتحزبة!
أما اعلام الدولة - الحكومة فلايزال في محطة التابع للدولة و الملبي لرغبات السلطة، و تهتم الحكومة الانتقالية و حتي انصارها بقرارات عزل شاغلي مناصب التمكين و تعيين اخرين، و يهمل إعادة هيكلة تلك الهيئات و تعديل صيغ العلاقة بينها و بين السلطة و بينها و الحاكم و بينها و الشعب و الجمهور الذي تخدمه.
القناة التلفزيونية القومية و تلفزيونات الولايات و الاذاعة و وكالة الانباء يجب ان تتم ادارتها باسلوب الهيئات المستقلة بحيث تتم ادارتها فنياً و مالياً باستقلال عبر انتخاب عناصر كفؤة و مؤهلة تقوم بوضع سياستها الفنية و الادارية و تعني بتوفير التمويل اللازم للتشغيل و التطوير و تقوم بتعيين الكادر و تشرف و تراقب الاداء العام للهيئة أو المؤسسة المعنية، بينما ينحصر دور الحكومة في تخصيص المبالغ المالية الرئيسية من ميزانية.
مايو ٢٠٢٠م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...