التخطي إلى المحتوى الرئيسي

"انظمة الأن.. و تيارات اللحظة" !

  في العالمين العربي و الاسلامي تقوم انظمة (غض النظر عن طبيعتها، سواء انظمة وراثة العروش و حكم العوائل أو الاسر، أو انظمة حكم الضباط الانقلابيون) علي الآنية؛

 هي انظمة تكره قراءة التاريخ و تبغض كذلك استقراء المستقبل!

كأن التاريخ يذكرها بالسيرورة و سنن الحياة في الملك و الحكم والسياسة!!

هي لا تكره التاريخ وحده بل تكره مجمل العلوم و المعرفة الإنسانية! تكره الفلسفة و تعتبرها مدخلا للشرك بالله! منذ أيام (تهافت الفلاسفة) و لا يدرون ان الفلسفة هي ام العلوم!

 و تبغض العلوم السياسية و تظنها معرفة تختص بها هي و علم خاص بالحكام! 

 و تكره علم القانون فتقول للناس انه علم شرك! وإن القوانين الوضعية تشارك الله في صفة يختص بها وحده "التشريع"!! فهي تكره المحاسبة و المساءلة و الشفافية و حكم القانون، و تجعل افلات منسوبيها من العقاب ديدن و قاعدة!

و تكره علم النفس إلا ما يعينها منه علي اخضاع الامم و المجتمعات!!!

 و تكره علم الاجتماع و سائر العلوم التي تحرر الانسان!!!

و الانظمة ليست وحدها في كراهية التاريخ "و المعرفة التاريخية و سائر المعارف" فهناك تيار كامل يسندها في شيطنة هذه العلوم يتألف من الجامعات السلفية و جماعات تنظيم الاخوان المسلمين و انصار السنة و تنظيم القاعدة و جبهة النصرة و تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" و بوكو حرام..الخ

كل كارهي التاريخ يعيشون لحظة تاريخية استثنائية، و هي ليست لحظة حقيقية كاملة، انما لحظة متخيلة و متوهمة! ليست مأخوذة من سياق تاريخي، هي لحظة مقتبسة من السيرة النبوية و سيرة الخلافة الراشدة و تم تعريضها لعملية تنقية من شوائب "الحقيقة" لتكون اشبه بالصورة الاسطورية!

 إذاً هي لحظة خيالية تماما كالفنتازيا التاريخية! 

لحظة ليست لها صلة بما قبلها "التاريخ" ولا ما بعدها "المستقبل"، و يتم ايهام الجماهير بأن في الامكان عيش تلك اللحظة في الحاضر ، و إن في الامكان استعادة تلك اللحظة، و اعادة تحقيقها..

 فتنفصل الجماهير و المجتمعات عن السياق التاريخي و الحضاري، و تهيم في متاهة اجتماعية و تاريخية عظيمة، و شتات "زمني " و يتعذر عليها العودة ل "اللحظة الراهنة" و تستسلم بالكامل للطبقة الحاكمة التي تتصرف في مقدرات الدول و الشعوب علي هواها في تلك المتاهة الزمانية ردحاً من الزمان!

ليست هناك وصفة سحرية للفكاك من "انظمة الأن" و تيارات اللحظة الخيالية، و لا خارطة طريق للعودة من المتاهة الزمانية، و الاستفاقة من تأثير الوعي الاسطوري، انما هناك مخرج وحيد هو الوعي الشعبي؛ اذ لا بد من عمل طويل و مضني بصورة يومية حتي تستيقظ كل الفئات الشعبية فتنتفض علي من يسحرونها و ينومونها باسلوب من اساليب التنويم المغنطيسي إلا انه (جماعي) كذلك!

يناير ٢٠٢٠م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...