التخطي إلى المحتوى الرئيسي

في خدمة الشعب!

  الشرطة هي الجهاز المسؤول عن امان الناس و سلامتهم و سلامة ممتلكاتهم و عن حفظ نظامهم و تسهيل عملهم و تنقلاتهم ليتفرغوا بدورهم لانشطتهم الحياتية و علي رأسها المشاركة في انتاج السلع و الخدمات لتدور الحياة دوراتها المنتظمة..

لكن معظم الوقت خلال العهد الاستعماري "الذي شهد تأسيس الجهاز الشرطي- البوليسي بصورته الحديثة" و معظم فترات الحكم الوطني "التي تسيدتها الانظمة القابضة الشمولية" ظل جهاز الشرطة اقرب الي كونه في خدمة السلطة من كونه في خدمة الشعب! فهو يخدم الشعب لكن متي ما تعارضت مصلحة الشعب مع مصلحة السلطة فانه ينحاز لجانب السلطة و ان كان القانون في صف الشعب!

الشرطة مثل كل المؤسسات الوطنية انتقلت بكامل تقاليدها و ارثها من العهد الاستعماري الي العهد الوطني دون تغيير عميق! كانت السودنة تعني سودنة الوجوه لا سودنة العقول و الأفئدة!!

و لأن الانظمة المستبدة كانت حريصة علي ان تظل الشرطة في خدمتها هي لا في خدمة القانون لذا عملت علي ان لا تكون الطبيعة المدنية للشرطة هي الغالبة بل زادت الجرعة العسكرية فيها حتي اضحت او كادت ان تكون وحدة من وحدات القوة القتالية!

الشرطة دائرة مدنية مهمتها فرض النظام و انفاذ القانون و المساعدة في تطبيقه، هي "قوة مدنية" تعمل في المدن وسط المدنيين و المواطنين و ما تتبعه من معايير القوة النظامية هو الضروري لحفظ النظام داخلها و الحفاظ علي درجة كفاءة و جهوزية كافية، و ما تحمله من سلاح هو اللازم فقط لمجابهة اي اعتراض او تحدي قانون.. لذا تهتم الشرطة بتعليم القانون و تدابيره و اجراءاته اكثر من اهتمامها بتمارين السلاح و تكتيكات القتال!

و لأن السلطة وضعت الشرطة بينها و بين الشعب؛ لتتحمل عنه وزر التجاوزات و الظلم فان العلاقة بين الشرطة و المواطن ظلت تسوء باستمرار، و لذا ظل الناس يحتفون بأدني بادرة من رجل شرطة يقوم بعمله الصميم او تبدر منه بادرة انسانية كالشرطي "ميسرة" من مرور مدينة شندي، لأنهم لم ينتظروا منها الا الظلم و التعدي..

ليت الشرطة تلتفت لهذا الجانب فلا تكون مبادرات "فردية" معزولة انما نهج دائم، ففي كل العالم احد اهم دوائر و اقسام الشرطة هو القسم المخصص لمساعدة الناس في الطرقات "الخدمة الاجتماعية" و الذي يساعد كل تائه ليصل الي المكان الذي يقصده و يساعد كل كبير او صغير ليعبر الطريق و يساعد من تعطلت مركبته.. الخ

قبل ذلك عليها ان تتخذ من الاجراءات ما يؤكد الطبيعة المدنية لهذا الجهاز، و هذا ليس واجب الشرطة وحدها بل واجب الحكومة بأكملها خصوصاً الاجهزة المعنية منها بانفاذ القانون و اقرار مبدأ حكم القانون و تحديداً وزارة العدل، يجب رفع درجة التنسيق بين وزارة العدل و وزارة الداخلية لتحقيق هذه الغاية.

و حتي يقتنع كل شرطي ان الطبيعة المدنية للشرطة و الطبيعة المدنية للحكم هي الأساس بل و الخيار الافضل للشرطة نذكرهم بأن الشرطة كانت دوماً تحت هيمنة و خاضعة لتدخل اجهزة امنية و عسكرية و سياسية و حزبية في عهد الانظمة "العسكرية" و اخرها نظام البشير "المؤتمر الوطني" البائد، بينما اليوم قرار الشرطة هو بيد الشرطة وحدها و لا تخضع الا للقانون، و

 في عهد النظام البائد لم تسند وزارة الداخلية لأي رجل شرطة بل خضعت دوماً لضابط جيش او سياسي حزبي "الزبير محمد صالح، فيصل علي ابوصالح، عبدالرحيم محمد حسين، عصمت زين العابدين، ابراهيم محمود، احمد بلال..الخ" و الشرطي الوحيد الذي اقترب من كرسي الوزارة "العاص" استند له منصب وزير الدولة و ليس الوزير المباشر!

فبراير ٢٠٢١م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...