السمة الأولي والرئيسية لكل الحكومات الوطنية التي تعاقبت علي حكم السودان كانت هي اخفاء الحقائق والتعتيم عليها وخنقها و لي عنقها وكسره ان دعي الداعي!
فبنظرة سريعة لاحداث التاريخ المعاصر نجد انه تاريخ خلافي، وليس الخلاف حول تفسير الاحداث انما في حقيقتها و في الوقائع نفسها و من فعل ماذا و من لم يفعل؟؟
فاحداث توريت وعنبر جودة وبيت الضيافة و انقلاب 19 يوليو و هجوم الجبهة الوطنية "المرتزقة" كلها احداث لا يزال الناس و السياسيين والمؤرخين ايضا "يتغالطون" في وقائعها!
و في عهد البشير و اعوانه من الاسلامويين بلغ عداء الحقيقة والتعتيم عليها مبلغا بعيدا!! فتاريخ الانقاذ هو تاريخ لانكار واخفاء الحقائق نفسها ان امكن وليس لبعض حقائقها، فالانقاذ انكرت انها انقلاب "جبهة اسلامية" في مستهلها و انكرت انها تشن حرب مقدسة في الجنوب و انكرت ما يحدث من مجاعات "اسمتها اضطرارا فجوات غذائية احيانا" و انكرت مذابح الجنوب ودارفور و جبال النوبة و حوادث العيلفون وبورتسودان و خزان الحامداب و كجبار و سبتمبر..الخ
في عهد الانقاذ تعتمد السلطة استراتيجية انكار مبدئي فهي لا تعترف بالحدث ناهيك عن ان تجري تحقيقا او تقصي لأسبابه! و لأنها تنكر الحادث ابتداءا فهي لا تحتفظ بأي تقارير او سجل للأحداث حتي لا يكون دليل ضدها، و بالتالي ليس هناك أي مصدر ذي ثقة ومصداقية يمكن الاعتماد عليه! و
وسائل الاعلام من اذاعات و تلفزات و صحف كلها تكتم اكثر مما تفصح و حين تتحدث تعتمد اللغة الرسمية و مصطلحات السلطة التي لا تسمي الأمور بمسمياتها كما تروج لذات مبرراتها و تفسيراتها و باختصار تعتمد الروايات الرسمية دون تعديل و دون تمحيص او فحص!
و لأن الحقائق هي عدوة ساسة الانقاذ فان عهدها خلا من لجان التحقيق المستقلة، و حين تضطر باغية و عادية لتكوين لجنة تحقيق فان هدف اللجنة المعلوم وان كان غير معلن هو دائماً قتل الحقيقة و قطع اوصالها و التمثيل بها ثم دفنها!
طيلة ثلاثون عاما لم يتم اطلاقاً تكوين لجنة بموجب قانون لجان التحقيق الذي شرع سنة 1958م و لم يتعرض لاهمال مثل الذي تعرض له في هذه العقود الثلاث!
لثلاث عقود لم يتم تكوين أية لجنة تحقيق برلمانية! و لم يتم عرض أي تقرير للرأي العام بل و لم يسمع عنه و لو مجرد خبر مقتضب!
اذا نجحت ثورة السودان التي قادها الشباب اليوم في اعادة الاعتبار للحقيقة و وضعها في مقامها اللائق فانها تكون قد نجحت ايما نجاح؛ فما من تقدم يمكن احرازه في ظل غياب الحقائق و انتشار اﻷكاذيب و الشائعات و الافتراءات.. فهؤلاء الشباب ليسو علي استعداد لسماع مزيد من الاكاذيب و ان كانت في براءة كذبات ابريل.
يوليو ٢٠١٩م
تعليقات
إرسال تعليق