التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حروب "الدون كيشوت السوداني"

   هذه الحرب لا تنتمي لزمن حروب الخيال العلمي، انما لزمن الخيال المحض، و زمن الاوهام..

هل مصادفة ان تصعد مفردة بعاتي في هذه الحرب؟ ابداً

و البعاتي (العائد بعد الموت) شخصية خيالية انتجها العقل الاجتماعي في عهود غابرة لكنها بقيت حية في الثقافة حتي في زمن المدنية و التحديث و التعليم .. و لو قلت لأي شخص ينتمي لهذه الثقافة (مهما كان تعليمه و مستواه الاجتماعي؛ و لو كان يحمل هاتف ايفون ١٤ متصل بالانترنت ٢٤ ساعة في اليوم..) ان البعاتي كائن خيالي لا وجود له الا في العقل الشعبي فانه سيثور في وجهك و سيقول لك انه تقابل مع بعاتي من قبل (وجهاً لوجه) و ربما دخل معك في مشاجرة!

فانت بذلك تسفه ارثه و تنسف مسلمات عقله!

فهنا -علي هذه الارض- لا حدود بين الخيال و الواقع انما تداخل بلا فواصل!

و هل مصادفة ان يكثر الحديث فيها عن ان طرف في هذه الحرب يستخدم السحر الأسود و يستعين بخبراء سحرة (و لا يكثر الحديث عن اسلحة متقدمة؟) بالمقابل يكثر الحديث عن تعاويذ و تمائم تقي من الرصاص و المقذوفات النارية المنصهرة و لكنها لا تقي من السكاكين الطويلة و السواطير !!

و هل مصادفة ان تبرز شخصية الطيار "سارة" لدرجة النجومية في اول اسابيع و شهور الحرب؛ و ما ادراك ما شخصية الطيار سارة "بت الابيض".

ذات العقل الذي انتج نجومية سارة هو العقل الذي يرفض خروج المرأة الي العمل و يري ان مكان المرأة قعر بيت ابوها لا تغادره الا لقعر بيت زوجها ثم القبر !!

و هذه الحرب حرب الخيال السوداني المحض، لا يقاتل فيها السودانيون اوهامهم .. انما يقاتلون بها و اعتماداً عليها !!!

حروب الخيال العلمي تستند جزئياً علي حقائق العلم و تطوراته ثم تزيد علي ذلك (بالتخيل) و افتراض ما يمكن ان ينتج عن التقدم غير المنضبط و غير المتحكم به جيداً للعلوم و المعارف .. و هي دائماً تتحدث عن ابتكارات علمية (اسلحة ذكية -لها عقل و احياناً مشاعر) و يزيد ذكاءها بسرعة فائقة علي مقدرة العقل البشري و تتقدم عليه ثم تنقلب ضده و تحاربه .. و هي (حروب الخيال العلمي) حرب افتراضية تدور فقط في شاشات السينما و الافلام..

اما هذه الحرب فهي حرب عقل تسيطر عليه الاوهام و الخيال المحض .. و يحول اوهامه الي واقع ملموس علي الارض (لا شاشات السينما) و لها ضحايا بشريين و مأساة انسانية ملموسة!

فهي ليست حرب السودانيين يخوضونها بوعي من اجل سيادة أو مصالح اقتصادية و اجتماعية ملموسة انما حرب مفروضة عليهم و مصنوعة بواسطة الذين يجيدون التلاعب بالوعي و يستغلون ثقافة "زمن البعاتي" خدمةً لوكلاء في المنطقة !

يبقي الأمل قائم في الجيل الذي صنع المستحيل (ديسمبر) ان ينهض و يتصدي للأوهام و الدون كيشوتية المحلية بسلاح الحقائق الساطعة و المعرفة الصلدة التي تقطع خيوط خيالاتهم و تلقف ما يأفكون.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...