تصدرت مساءلة تعيين رئيس للقضاء السوداني لمرحلة ما بعد التمكين و ما بعد حكم البشير تصدرت الاجندة الوطنية خلال الايام الماضية، و اصبحت شغل الناس الشاغل و موضوع انسهم في مجالس الخاصة منهم 'القانونيين و السياسيين' و عامتهم!
ومع اقراري التام بأن بناء دولة سيادة حكم القانون والعدل و بناء مؤسساته الرئيسية "السلطة القضائية و النائب العام و المحاماة' اضافة لاجهزة انفاذ القانون 'قوات الشرطة و باقي الوحدات النظامية' تمثل احد الادوات المهمة لعلاج مظالم ثلاثين عاما من حكم الاسلامويين و باقي بطانة البشير، وايضا من اهم الادوات لقيادة البلاد للخروج من حالة الانقسام والحرب الاهلية و لاقرار سلام اهلي و طمأنينة و لمكافحة الفقر و انهاء ازمات الاقتصاد و سائر ازمات الادارة في وطن اقعدت به امراض السياسة والحكم والادارة..
مع هذا الاقرار الا انني لا افهم سبب لإثارة هذا الامر في هذه اللحظة و كأن اداء القسم امام رئيس القضاء او اي قاضي محكمة اخر مختص يمثل خطيئة او يرتب وضعا غير ملائم او يمثل اقرارا بالوضع القانوني-القضائي القائم! و اظهار المسألة و كأننا قد سقطنا في فخ محكم! كما لا افهم كثير من حجج من خاضوا في لجة هذا الجدل القضائي و القانوني و السياسي، كزعمهم بأن الوثيقة الدستورية اهملت شأن اصلاح القضاء او تعيين رئيس القضاء و اخطأت حين تركت شأن تعيينه لمجلس القضاء العالي الذي يفترض ان يتشكل لاحقا و يحل محل المفوضية القضائية التي تهاوت بفعل الزمن ثم بفضل الثورة!
بنظري هذا الجدل في غير محله و ان كان يعكس قلقا حميدا، و هو 'هذا القلق' خير مثال لطريقة تعاطينا مع الامور و العقبات 'كبيرها و تافهها' و ميلنا لتعقيد ما هو بسيط و تصعيب ما هو سهل فتتعقد الأمور بفضل طريقة تعاطينا لا بسبب خصائصها الموضوعية!
نحن دوما نميل لاعتقاد ان كل الأمور تعالج بقانون او بنص قاطع! في حين ان كل المشاكل تحل بالعمل الدؤوب او المتصل او احيانا بمجرد اتخاذ فعل عملي و واقعي للتعامل مع المشاكل علي الأرض و مخاطبة اسبابها و تلمس جذورها و ابعادها..
و حال السلطة القضائية كحال كل المعضلات لمرحلة ما بعد التمكين لن تحل بنص دستوري فقط، كما ان النصوص القانونية و الدستورية لا توضع لمعالجة اشكالات الراهن بقدر ما تكتب برؤية شاملة تستوعب الحاضر و تستشرف المستقبل بما يكفل للقاعدة القانونية الاستقرار و الاستمرار بفعالية، حتي لا نكون مضطرين لتعديل نص الدستور و القانون عند كل طارئ! و النص الموضوع مكتوب بصورة نموذجية تكفل حلا لتعيين رئيس قضاء كلما خلا المنصب بالطريقة التي تراعي استقلالية القضاء كمبدأ و طني دستوري و دولي؛ بحيث ينتخب بواسطة السلطة القضائية المستقلة عبر مؤسساتها ذات الاعتبار 'مجلس القضاء العالي' ..
صحيح ان ذلك يتطلب اولا تشكيل برلمان 'الانتقالي' الذي يقوم بدوره باصدار قانون مجلس القضاء و يحدد صلاحياته، كما يتطلب تحرك كامل منظومة الدولة و الحكم لاختيار نائب عام و وزير عدل و نقيب محامين و عدد من عمداء كليات القانون 'غالبا ما يكون عميد كلية القانون لجامعة الخرطوم بحكم كونها الاعرق بين رصيفاتها' طل ذلك وفق اسس الاختيار 'الانتخاب' المتعارف عليها و وفق التدابير القانونية السليمة و الاجراءات الادارية الصحيحة؛ و ليس مجرد اختيار و السلام.
و حتي بعد ان تتكون تلك الاجسام بكامل عضويتها فان هذا لن يعني ان المشكلة قد حلت! فالقضاء اليوم يرزح تحت ثقل اخطاء جسيمة و اهمال فادح و علاجها لن يتم الا عبر عملية طويلة و معقدة تنقل ثورة التغيير و شعاراتها واهدافها الي قلب تلك المؤسسات القضائية و العدلية و تعيد تأهيل هذه السلطة لتكون فعالة في مهمة ارساء دولة حكم القانون، و اذا اكتملت تلك المهمة خلال عام او حتي خلال كامل عهدة السلطة الانتقالية فاننا سنكون كسبنا مؤسسة هامة و كسبنا رهان العدالة.
٢٠١٩م
تعليقات
إرسال تعليق