مر المجتمع السوداني خلال العقود الماضية بظرف غير طبيعي و عصيب، كانت كل المتنفسات الضرورية للمجتمعات مغلقة فلا سينما و لا مسرح و لا حدائق عامة و لا ميادين و لا متنزهات.. حتي حدائق الحيوان تم اغلاقها و تشريد حيواناتها، و بالضرورة و لوقت طويل بلا احزاب و لا نقابات حرة و لا جمعيات و لا منظمات !! لا ندوات و لا مهرجانات و لا كرنفالات ..الخ
و المعهد الوحيد الذي كان يسهم في رفد الساحة بمتمرسين في مجال الموسيقي و الدراما "معهد الموسيقي و المسرح" تم اغلاقه لسنوات، تلك السياسات و الممارسات لم تكن عفوية انما ممنهجة و مدروسة بغاية اساسية هي افقار المجتمع معنوياً و نفسياً حتي يسهل اخضاعه و السيطرة عليه.. و كذلك بهدف تقليص مساحات تجمع الناس و بحيث يتعذر علي المجتمع ان يصل الي اي مستوي من التضامن و الروح الجماعية التعاونية.
في هكذا الظرف كان نجوم المجتمع يزوون و يأفلون واحدهم اثر الآخر و يتلاشي ضوءهم و بالمقابل كان ضوء نجوم اخري مصنوعة و موجهة يستغل الفراغ!
فراغ المسرح و الاعمال المسرحية الهادفة ذات المضمون شغله نجوم "الاستانداب كوميدي" بنكات و قفشات تعتاش علي مفارقات العرق و القبيلة و الطائفة.. هذا بدوره عمق الانقسام الاجتماعي الذي دقت السياسة اسفينه الاول بين مكونات المجتمع! ساحة الغناء الرصين و الموسيقي الرفيعة شغلها مغنين و مطربين احترفوا التقليد و اغتنوا من اعمال هي اقرب الي الضوضاء منها الي الفن او الموسيقي، هؤلاء المغنين و المغنيات تسيدو الساحة تماماً و اضحوا ينافسون بعضهم البعض في الابتزال فهذا سلطان و ذاك امبراطور... و المغنيات يشغلن الساحة بسجالات ساقطة نتابعها مع الجميع بين ذهول و استغراق، كتلك التي تقف كالدمية "باربي" و تغني كالروبوت و هي الأن محط اعجاب يفوق ما حصل عليه قدامي المغنين و محدثيهم، و تلك التي اقيم لها قبل اسابيع حفل زفاف اسطوري تجاوزت نقطة مغنيات حفل "الحنة" ميزانية مؤسسات و لا أحد رأي الزوج!!!
ثم لاحقاً و مع انتشار الاعلام الالكتروني و الاجتماعي "السوشيال ميديا" عبر تطبيقات و مواقع اليوتيوب و فيسبوك و واتساب و تويتر و تيكتوك ... الخ ملأ فراغ ساحة الفكر و المجتمع و الصحافة و الإعلام نجوم من نمط و طراز جديد!
تسيد الساحة الصحفية كتاب صحافيون ارتقوا المنابر بخطابات جهوية و مناطقية و عنصرية صريح كصاحب الانتفاخة "الانتباهة" نسأل له و لنا المغفرة، و اخرون صنعوا صناعة في دهاليز و كواليس الحزب الحاكم و جهاز امنه و بعضهم جاء من مكبات النفايات فأصبحوا ملء السمع و البصر!!
و برز نمط من نجوم المجتمع كل ما يجيدونه هو التلفظ دون حياء و لا وجل بفاحش القول و بذيئه! فبتنا نري و نسمع عن أشخاص اصبحوا ملء السمع و البصر يخوضون في السياسة و الفكر و قضايا الامن القومي بنهج اسفل المدينة!
لم يكن تأثير هؤلاء قاصر علي الوسائط بل انفتحت امامهم الساحة العامة ففي اخريات عهد البشير قام نظامه بالارسال في طلب احدي بذيئات الخارج و شاركت في ما سمي "الحوار الوطني" و اقيمت لها الندوات و المهرجانات السياسية كما تم تعيينها في منصب برلماني و من سخريات الزمن انها لم ترضي بذلك فانسحبت عائدة من حيث أتت!
مفارقة كذلك جديرة بالانتباه ان كثير من مشاهير البذاءة تلك و الذين ينشطون في نشر خطاب الكراهية و الفتن يقيمون في الخارج؛ بل و في بلدان غربية لم تتقدم مجتمعاتها الا بعد ان جرمت و حاصرت خطاب الكرهية فيها، يستغلون من مأواهم الغربي و يحتمون بغطاء الجهل باللغة التي يستخدمونها عبر مواقع التواصل، كل ذلك يوفر لهم ملاذ لاغراق اوطانهم الاصلية و مجتمعاتهم في الكراهية و الفتن، و لو انتبهت الدولة و المنظمات المدنية لذلك و سعت الي ملاحقت هؤلاء بسلطة القانون حيث يقيمون لتم سجنهم هناك.
في احدي المناسبات "اجتماع محضور للحزب الحاكم سابقاً و المنحل حالياً، و بحضور رأس الحزب و النظام البائد" شكي احد رموز ذلك الحزب من تمدد نجوم ذلك العهد من المغنين، و نجوم الكرة "شهدنا كيف انفقت اندية الكرة خصوصا اندية القمة و الاندية المقربة لحكومات الولايات مليارات الجنيهات و ملايين الدولارات علي نجوم محليين و اقليميين و كوادر تدريب و في المقابل كانت عائدات تلك الاندية ضعيفة و كان المردود الرياضي كذلك هزيل اذ لم يتحقق اي انجاز خارجي لا بطولة و لا مركز ثاني و لا ثالث!"، و دراميين و طالب القيادي بالمؤتمر الوطني السلطة التي تحكم بشعارات الاسلام بأن تضييق علي أولئك النفر الذين تمددوا علي حساب "اصحاب المشروع الرسالي"؛ فانتهره رأس النظام ذاكراً للحضور ان كل أولئك الذين تشتكون منهم ينتسبون للمؤتمر الوطني و انهم معنا في مركبنا!
فالنظام السابق سعي لايجاد داعمين له في كل المجالات فصنع نجوم زائفة حتي توفر متنفس خادع و غير حقيقي كما تسعي عبر الشهرةالتي تسبغها علي تلك الرموز المصنوعة لتمرير خطاب و دعاية سياسية داعمة لاستقرار ذلك النظام.
عهد مشاهير البذاءة و نجوم العتمة هذا لن يزول تلقائيا بزوال النظام البائد انما سيستغرق زوال بعض الوقت.. كما يتوقف قصر او طول ذلك المدي الزمني علي الجهد المبزول لتصحيح الوضع و الساحة الاعلامية و الفنية و الرياضية .. فكلما اصبح المجال و ساحة التنافس مفتوحة امام جميع المواهب و بدرجة ممتازة تراعي اسس التنافس الشريف فان النجوم المصطنعة ستتراجع الي مكانها الطبيعة في ازقة النسيان و دهاليز النسيان.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
سبتمبر ٢٠٢١م
تعليقات
إرسال تعليق