انتخابات نقابة الصحفيين اوائل هذا الشهر ديسمبر ٢٠٢٢م و التي تمثل لبنة اولية في بناء الديمقراطية و مؤسسات المجتمع الأهلي-المدني و نقاباته و حرياته؛ هذه الانتخابات اثارت لغطاً و معارضة - بطبيعة الحال من اعداء الانتقال الديمقراطي و بقايا تمكين النظام البائد ارباب الفساد و خصوم الشفافية و المحاسبة و حرية الصحافة و الرأي و التعبير..
ذلك اللغط و تلك المعارضة استندت بالأساس علي الطعن في شرعية النقابة الوليدة و شرعية الانتخابات التي جرت بزعم ان مسجل تنظيمات العمل لم يعتمد هذه الاجراءات و لم يعترف بها و بالتالي فان الدولة/ الحكومة الانقلابية لا تعترف به، و ان النقابة المشكلة حديثاً غير مستوفية لمتطلابات قانون النقابات!
بالتأكيد هذا الزعم مدحوض و تلك الحجة واهية لأن النقابات ليست كيان حكومي انما كيان أهلي-مدني و بالتالي يستمد شرعيته من قاعدته و عضويته و ليس من رضا موظف سلطوي..
و العمل النقابي قبل استناده القانون المدعي يستند علي الدستور و حقوق الانسان و الاتفاقات الدولية و الاخيرة مضمنة في الدستور و تسود علي احكام القوانين عند التعارض، و حتي في حالات الطوارئ و تعليق العمل بالدستور (كما هو حادث اليوم) فان احكام تلك الاتفاقيات تبقي سارية و ملزمة فبذا تقضي بنودها و بذا ينص الدستور و حتي اعلانات الانقلابيين تتضمن الالتزام بالمواثيق الدولية التي وقع و صادق عليها السودان!
هناك تصور قاصر يسود وسط "الحكوميين" و حتي بعض المعارضين و النقابيين مفاده ان النقابات كيان "شبه حكومي" يحتاج لأن تقره السلطة؛ أو ان هناك كيان واحد لكل مهنة "نقابة واحدة" و هذا غير صحيح فطالما ان النقابة كيان اهلي-مدني و مجتمعي فان لأي مجموعة الحق في تكوين نقابة تعبر عنهم .. و في اجواء سيادة الحق في التنظيم و الاجتماع و سائر الحقوق و الحريات فبإمكان أي مجموعة ان تشكل النقابة او الاتحاد او الحركة النقابية او الجمعية المهنية او الرابطة التي يرون او يعتقدون انها تضمن حقوقهم الاقتصادية و مصلحتهم المهنية و الاجتماعية، و علي ما يبدو ان تطاول عهود الاستبداد و القبضة الامنية التي كانت تلاحق الناشطين النقابيين خلق انطباع لدي الجميع بأن "رضا السلطة" ضروري لاكتساب شرعية نقابية و هذا غير صحيح البتة.
النقابة الجديدة للصحفيين ينتظرها عمل كبير جداً بحكم الحالة التي وصلت اليها الصحافة في السودان اضافة لتحديات الصحافة الورقية و غير الورقية في العالم..
من المشاكل المهملة في السودان مسألة ملكية الصحف، و التي هي في الغالب مملوكة لأفراد و اشخاص ما يعني ان مصير الصحفيين و اتجاهات الرأي العام مرتبطة بفرد و يسيرها اشخاص.. حاول النظام البائد عبر القانون و عبر سلطة مجلس الصحافة و المطبوعات الزام الصحف للتحول الي شركات "شخصيات اعتبارية و ليست شخصيات طبيعية-أفراد" لكن هذا كان مجرد شرط شكلي تم التفاف عليه عبر تسجيل شركات علي الورق فيما لا يزال اشخاص و افراد يتحكمون في حاضر و مستقبل الصحافة!
الوضع السليم هو ان تكون الصحف "او القسم الأكبر أو الأهم منها" مملوكة و تدار بواسطة شركات مساهمة عامة، لكن مع الأسف تجربة شركات المساهمة العامة لا تزال ضعيفة للغاية و شبه منعدمة ببلادنا، و شركات المساهمة العامة آلية مهمة لمختلف الأنشطة الاقتصادية فيما تتضاعف اهميتها بالنسبة للصحافة و الإعلام، فعلاوة علي الاستقرار المالي و الاداري الذي توفره عبر المقدرة المالية الكبيرة و بالتالي تضمن استمرارية الصحف و الأمن الوظيفي للصحفيين و بالتالي قدرتهم علي التطوير؛ فانها كذلك تضمن تقليل تأثير الأجندة الفردية او الحكومية "و الاجنبية ايضاً" علي وسائل الاعلام و علي الصحافة و تمثل ضمانة لأن تخدم الصحافة الرأي العام بخطها التحريري لا أن تخدم خطوط سلطوية او حزبية .. الخ
تبني أسلوب ادارة الصحف و وسائل الاعلام "الخاصة" عبر المساهمة العامة لن يتم بالفرض من اعلي و بقانون ملزم انما بتقديم امتيازات للصحف و وسائل الاعلام التي تتبني هذا النسق الاداري و في التملك.
ان النهوض بالصحافة الوطنية يمثل مسألة أمن قومي و استمرار ضعفها ينذر بأن يصبح الرأي العام المحلي تحت رحمة وكالات الصحافة الاعلام الاجنبية!
و يمكن لنقابة صحفيين مستقلة ان تضغط بفعالية علي كل الاطراف "الناشرين و السلطة" لجهة تقوية الصحافة الوطنية عبر توفير تمويل واسع و تأسيس مظلة مصالح متعددة الاطراف بتبني نهج المساهمة العامة.
ذلك بالطبع توازياً مع ادوار و واجبات النقابة المعتادة في ما يتعلق بالحقوق الاقتصادية لمنسوبيها و التضامن الاجتماعي الذي تؤديه.
سبتمبر ٢٠٢٢م
تعليقات
إرسال تعليق