التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الايمان والتعصب

 13/4/2008                                                                                                                        لعل السبب الاساسي وراء ظواهر  التعصب والتطرف الديني التي تجتاح العالم ومنطقتنا علي وجه الخصوص يكمن في الاعتقاد السائد والخاطي الذي تم تمريره لعقود بل وقرون والذي يفسر التعصب علي انه دليل علي الوصول الي قمة الايمان وسمة من سمات الورع والتقوي وخشية الله، في حين ان العصبية هي في الواقع صفة  من صفات المسائل الدنيوية فقط علي عكس المسائل والامور الدينية؛فهي من متلازمات الانتماءات الفجة (قبلية و جهوية) و التي لادخل للانسان فيها!! فلا احد يملك ان يولد لأبوين اسودين او ابيضين او من هذة الجهة او تلك وانما هي موروثات عليه ان يقبل بها كقدر ليس الا.
  وكذلك قد تكون العصبية في الانتماءات السياسية او الرياضية هذا مع ان مبادئ الحريات السياسية وكذا مبادئ الروح الرياضية و الاخلاق الاولمبية تكافح ذلك التعصب فما بالك بالدين والايمان وهو السباق الي اقرار التسامح ونبذ العصبية والتطرف و الغلو.
لقد خلط عامة المؤمنين لقرون خلون بين الاستخشان والخشونة فاستبدلوا الاستخشان المستحب بالخشونة المذمومة والمنهي عنها (وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا) والاستخشان هو خشونة الظاهر (الجسد ) وهو بالتالي لايتنافي ولايمنع لين القلب والوجدان في حين ان الخشونة هي قسوة القلب وعنفة وافتقاره للرحمة والعطف...
  والايمان في حقيقته يدعو للتسامح والقبول اكثر من كونه مدعاة للتعصب والتطرف والتشدد والغلو...الخ ،  فبذلك جاءت كل الرسالات وبه امر كل المصلحين والدعاة، هذا علاوة علي ان الايمان اذا وقر   في القلب فاطمأن و اطمأنت الروح واذا امتلك من الجسد جوارحه يصبح الانسان قابلا لفهم مختلف التصورات و المغاهيم الدينية و الانسانية وقادرا علي الاستماع لها ومناقشتها بصدر رحب  والرد عليها ان لزم الامر بالحكمة والموعظة الحسني.
    وباستقراء وتتبع سلوكيات المجاميع والاشخاص المتشددين والمتتطرفين يلاحظ بوضوح ان التطرف ينتج عن احساس الشخص او المجاميع المتطرفة بعدم القدرة علي مواجهة التحديات  والتطورات المتلاحقة التي تدور حولهم؛ وعوضا عن المواجهة تختار تلك المجاميع الخيار الاسهل (وهو ليس الاصعب علي عكس مايتصور البعض ويدعي الاخر) ونعني بالخيار الاسهل الهروب من مواجهة المشكلات الحقيقية وافتعال اخري وهمية واللجؤ للعنف الذي يطال الجميع بلا تمييز بين أبرياء وغير ابرياء او أطفال ونساء وشيوخ ومدنيين...ألخ ، كما يسهم الاحساس بالظلم والضعف وبتفوق الظالم(تقنيا بشكل خاص) في تغذية ذلك التطرف بحيث يكون التطرف والتشدد هو ردة الفعل التي تسير في مسار موازي للسلوك الآخر للمظلوم (المقهور)أي التماهي مع المنتصر والتمثل بثقافته،والاحساس بالظلم الذي يقود للتشدد يكون دائما نتيجة حتميه عند توفر عامل مساعد مهم وهو عجز الادراك وعدم القدره علي تطوير وعي يحيط احاطه تامة بذلك الظلم – معرفة مقدار الظلم والجهة الظالمة والجهات المستفيدة والمتعاونة معها و ادراك اسباب الظلم الموضوعية والذاتية التي تعود لشخص وطبيعة المظلوم نفسه- اذا لايكفي فقط  ان تعرف انك مظلوم ولابد من اخضاع مجمل الامر للتحليل والجهد الفكري حتي تتمكن من رفع الظلم الواقع عليك.                                                                  
         والتطرف والتعصب ليس فقط عديم صلة بالورع وقوة الايمان بل هو علي العكس من ذلك دليل ومؤشر قوي علي  ضعفه (ضعف الايمان)  وعلي جهل كبير بأسس واصول الدين (أيا كان)... وعلي ذلك يكون التعصب مقبولا او بالاحري (مبلوعا)ان هو صدر من عامة الناس و غمارهم ، لكن المشكلة تكمن الان في  انه صادر من صفوتهم ، فمعظم الفتاوي التي تحض وتحرض علي اتخاذ مواقف متشنجة و عنيفة ومتعصبة تصدر من أفواه الشيوخ الموصوفين بالعلماء وماهم بعلماء وانما ببساطة شديدة جهلاء تم تنصيبهم والباسهم لبوس العلماءخدمة لاغراض دنيئة معلومة للكافة..
     وان نظرنا لما يسمي بمجالس العلماء او اهل الحل والعقد او مجامع الفقهاء...ألخ ، التي تنتشر في كل( دول المسلمين) لوجدناها مجالس اسست بواسطة السلاطين والحكومات لتقوم بتقديم خدمات فقهية وشرعية تدعم تلك الحكومات وتساهم في ترسيخ دعائم حكمها الراسخ اصلا بقوة احذية الجند و سلاحهم وتبرز الحكام بمظهر من يخافون الله ويرعون حرماته بحيث تجب طاعتهم وتصبح معارضتهم مهما كانت طبيعتها هي الخروج عن الملة والكفر بعينه.  لقد كان تعيين المجالس تلك امرا مقبولا بل ولازما ابان الخلافة الاولي وماتبعها من دول او  دويلات وذلك لقلة عدد العلماء وامكان معرفة الخليفة او الحاكم لكل العلماء الذين هم ضمن رعيته ، فماهو مبرر وجودتلك  المجالس وماهم مبرر تعيين العلماء فيه الان ويمكنك ان تجد عالما حيثما كنت؟؟!!
        فان كان الحفاظ علي اجماع المسلمين هو مبرر وجودها فانه لامبررلتعيين العلماء فيها بامر الحاكم الا ماذكرناه من رغبته في الحصول علي فرمانات الرضا الالهي التي لا يتردد أولئك العلماء في مهرها  عند الطلب بسخاء يعادل سخاء الحاكم لهم   ، ولن تجد مهما اجتهدت مجلسا او مجمعا يضم عالما لايرضي عنه السلطان، لذا ان كان اجماع المسلمين هو الغاية فلماذا لاتكون عضوية تلك المجالس عبر الانتخاب المباشر من العامة ؟ والحديث الشريف يقول( لا تجتمع امتي علي باطل) ،فالانتخاب وحده يضمن تجديد تلك المجالس ويضمن عدم تحويلها الي مجامع كهنوتية( كالتي سادت اوروبا قبل اقرار مبدأ فصل الدين عن الدولة) تحتكر الحقيقة الدينية وحدها وتتطلع لاحتكار الحقيقة الدنيوية (الزمانية) متي وجدت سانحة بضعف السلطان او خلاف ذلك. وتلك المجالس الكهنوتية هي المسئولة عن انتاج العنف وتغذيته
(محاكم التفتيش) مثلما ان المجامع الفقهية في دول المسلمين هي المسئولة  عن انتاج التعصب والتطرف (طالبان، المحاكم الصومالية، الحوزات في ايران..ألخ) وهذة المجامع ليست خطرا علي الاسلام وعلي عامة الشعب فقط وانما يمتد خطرها ان عاجلا أو أجلا للدولة والحاكم الذي عينها نفسه كما اوضحت التجارب في الغرب وفي الشرق ،لذا فان انتخابها وتجديدها يضمن كذلك عدم تحولها الي حاضنة للتعصب والتطرف والعنف ومحتكرة لحق التحدث باسم الدين وحدها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...