لكن ما هو البديل؟ وأين هو البديل؟ هذا هو السؤال الذي كان مسيطراً على المسرح السياسي في تونس ومصر و اليمن و سوريا و السودان ... في قائمة تطول يمكن اختصارها بأنها كل الدول التي تسيطر فيها الديكتاتوريات سواء كانت عربية أو إسلامية أو افريقية أو حتى أوروبية! وهو السؤال الذي كان يشرع في وجه كل من يدعو أو ينشد أو يتحدث عن تغيير لقطع الطريق على أي محاولة لتغيير الأنظمة أو حتى مجرد التفكير في التغيير.
وقد نجح ذلك السؤال إلى حد بعيد في قمع كل المحاولات التغيير أو الثورة لأن فئات واسعة من بين المخلصين والمقتنعين بفشل الأنظمة القابضة على السلطات اخذوا يرددون ذلك السؤال الذي ابتكرته عقليتها الإنتهازية المتآمرة على الشعب سعياً لتحقيق المزيد من المكاسب في أجواء الفساد الذي يسود كل أنظمة اللاديمقراطية برغم أن ذلك السؤال لا قيمة له في الواقع ولا يصمد أمام أبسط محاولة لتحليل السؤال للإجابة عليه ، لكن للأسف وكما انساقت مجموعات من المخلصين والمقتنعين بفشل الأنظمة القهرية وراء سراب سؤال البديل فشلت أيضاً النخب المعارضة في التصدي لذلك السؤال لأنها حاولت ( رغم ضعفها البائن ورغم تفككها وخلافاتها الساذجة) حاولت أن تطرح نفسها كبديل أبرز انتهازيتها و وضعها في صف واحد مع الأنظمة التي تقاوم من حيث الفساد واللاعقلانية ، وببساطة فات على الجميع (النخب الحاكمة التي طرحت سؤال البديل والنخب المعارضة التي حاولت الإجابة عليه) إن انعدام البديل لدرجة تجعل هذا السؤال هو المسيطر على الساحة السياسية هو في الأساس إدانة للنظام قبل أن يكون إدانة للمعارضة لأن النظام الذي لا يعد بدائل أو يفشل في وضع منهاج يتم من خلاله انتقال السلطات داخله لهو نظام متخشب و مسدود وسيتآكل ويسقط إن لم يكن من الخارج فمن داخله.
في ظل هذا الوضع البائس من الأنظمة المستبدة، والمتفاخرة بانعدام البدائل والمعارضات الهزيلة كان لا بد للشعوب من أن تقول كلمتها ... فالشعوب لا تتدخل إلا عندما يفشل الساسة حكاماً ومعارضين ولا تدخل إلا مرة كل عدة عقود وفي مثل هذا الوضع لا تتحدث الشعوب بالكلمات ... ولا بالرمز وإنما بالفعل فالشعوب لا تتحاذق ولا تتحذلق ولا تزوق، فهي لا تسوس وإنما تملئ .. كما أنها تجيب و بأفعالها على الأسئلة المهمة فقط أما الأسئلة المراوغة التي يقصد من طرحها مجرد الإستثمار في الوقت أو الخداع والتضليل فتتجاهلها كما تتجاهل الأسئلة الغبية والساذجة... وأمامنا تجربتان لشعبين تحدثا بالفعل وتعاطيا مع سؤال البديل فانظر ما كانت إجابتهما!!.
( التجربة الأولى ) عندما تحدث شعب تونس وطرح بديله الشعبي في ثورة البنفسج، فكانت ثورته ثورة شعبية اجتماعية اقترحت تغيير النظام بالكامل فكانت أحد أهم الأحداث في تاريخ تونس المعاصر فهي أهم من كل انجازات بن علي بما في ذلك معجزته الاقتصادية ، وأهم من انجازات بورقيبة قائد ثورة تحديث وتمدين الشعب التونسي، بل وازعم أنها أهم كذلك من استقلال تونس نفسه لأن استقلال لا ترافقه حرية كماكينة بلا طاقة، و الشعب التونسي يستعيد حريته ويحققها لأول مرة ويضع الحصان أمام العربة إذ لا نهضة ولا رفاهية ولا تقدم بلا حرية وبلا نظام سياسي متحرك ومستقر في ذات الوقت( الديمقراطي).
أما (التجربة الثانية) فهي عندما تحدث شعب مصر بقيادة شبابه في ثورة يوليو 25 يناير والتي حققت للمصريين مكاسب أهم من كل مكاسب عهد مبارك وأهم كذلك من كل مكاسب عهد السادات وعهد جمال عبد الناصر وأهم ايضاً من مكاسب ثورة يوليو 1952 التي يقدسها كل المصريين ومعظم العرب ...لأن انتفاضة 25 ثورة اجتماعية ونعني بثورة اجتماعية أنها ثورة شاركت فيها أغلب إن لم نقل كل الفئات الإجتماعية المكونة للشعب، وأنها لا تهدف لإيجاد بديل سياسي للنظام بقدر ما تهدف لإيجاد بديل اجتماعي يتمثل في الحرية والمساواة لكل فئات المجتمع ، وها هو الشعب المصري يستعيد حريته ويحققها لأول مرة منذ قرون ... ومثل شعب تونس ها هو الشعب المصري يضع الحصان امام العربة معترفاً بأن لا نهضة و لا رفاهية ولا تقدم و لا إنجازات بلا حرية وبلا نظام سياسي مستقر ومتحرك في ذات الوقت.
فما يهم الشعوب هو الديمقراطية التي توفر الحرية وتحقق التداول السلمي للسلطة والأستقرار السياسي الإجتماعي والأقتصاد المريح لكل الفئات فما طلبه الشعبان المصري والتونسي من قبله هو الإنتقال الديمقراطي الذي يضع تلك الدول وشعوبها على الطريق الصحيح ومن بعد ذلك فإن في مقدور أي مواطن مصري أو تونسي إدارة عجلة النظام السياسي ... إذاً فالشعبين بل وكل الشعوب تعي أن سؤال البديل لا يعني ايجاد شخص بديل بذات مواصفات وطبيعة وجينات الدكتاتور المخلوع وإنما يعني خلع الدكتاتور وتهشيم نظامه الضعيف وبناء نظام سياسي يعتمد الديمقراطية والمؤسسات المستقلة والحرة وهي تعي أيضاً أن السؤال المهم ليس هو من يحكم من ؟ وإنما كيف يحكم من يحكم ؟! وبعد ذلك لا يهم كثيراً من يكون على القمة ... لأن من يصل القمة يصل بأمر الشعب ويهبط بأمره ، لا بأمر حفنة من المنتفعين الذين يصورون له ان بقاء العباد والبلاد ونزول الغيث وهبوب الرياح وولادة النساء رهين ببقائه!!
تعليقات
إرسال تعليق