التخطي إلى المحتوى الرئيسي

العلم و الايمان

 تمثل العلاقة بين العلم والايمان احدي المسائل المهمة التي يجب علي المجتمعات المتخلفة وومجتمعات العالمين العربي والاسلامي  خصوصا الاجابة عليها او اعادة الاجابة عليها بحسب الحال . ولذا ينبغي ان يكون النقاش بشأنها مفتوحا علي مصراعيه بلا تشنجات او وعيد حتي يتمكن الجميع من المشاركة في الاجابة دون اقصاء او تهميش ودون احتكار للمعلومات ذات الصلة وبلا وصاية دينية كانت او علمية .
  ان الالتباس الحاصل حاليا بينهما (العلم والايمان) ليس الا جزء من سلسة التباسات طويلة تعزز كلها حقيقة واحدة هي عجزنا عن بناء وحفظ علاقات متوازنة (بتداخلات ودون تعديات) بين المؤسسات (الحكومة/ البرلمان/ القضاء/ الجيش/ الجهاز المدني....ألخ) وأيضاً بين القيم (كمؤسسات معنوية) مثال(الدين/ الاخلاق/القانون/العلم/الاداب /الفنون..الخ)،وهو عجز ناتج عن نمط تفكيرنا الذي يفشل في تتبع المسائل عند تجاوزها لمدي او عمق معين وناتج عن ميلنا وحبنا للتفسيرات البسيطة والساذجة (ويمكن فهم نظرية المؤامرة ايضاً في هذا السياق).
في الوقت الراهن تاخذ علاقة الايمان بالعلم منحي يغلب فيه  الاول علي الاخير رغم جهد القائمين علي امر تحديد صيغة تلك العلاقة و محاولاتهم الحثيثة للظهور بمظهر عقلاني معقول  ورغم ميولهم التوفيقية البائنة..
  فمن ناحية نظرية وعامة فإن طغيان الايمان (الدين) علي العلم هو نتيجة منطقية بل وحتمية لتفشي التطرف والعصبية الدينية الممنهجة علي اختلاف تياراتها و مذاهبها ،ولتفشي الافكار السياسية ذات الطابع والغاية الدينية؛ اما من وجهة اكثرعملية فان الاستراتيجية التي تبناها العلماء المقربون من السلطة (والمسؤولون عن تحديد تلك العلاقة)  قادت مباشرة لهذا الوضع ،فهم أولا إهتموا بالمجادلة بان العلم والايمان لايتناقضان بل وسعوا حتي لإثبات ان كل منهما مكمل للاخر، وثانيا إهتموا دائماً وسعوا لتوظيف العلم( عبر ما أسموه الإعجاز العلمي في القران ) لإثبات صحة المعتقد الديني وصدقية النصوص القرانية والنبوية .. حتي وصلوا لمرحلة تخيلوا معها( وتخيلنا ايضا )ان العلم والايمان شئ واحد .. لكن لاحقا وبقليل من التمحيص لابد ان يكتشفوا ان ما نتج عن ذلك المزيج ليس إلا مسخاً شائهاً لا هو بعلم ولاإيمان, فما يفعله أؤلئك العلماء هو انهم يضعون الايمان خلف العلم تارة فيسيرون خلف منجزات العلم فقط ليزعموا عقب كل كشف جديد ان الدين أخبر به (قبل اربعة عشر قرناً)، ويضعون العلم خلف الايمان تارات ليحرموا بعض التجارب او بعض الاستخدامات لإختراعات علمية ويكفروا فريقاً من العلماء (وفريقاُ يقتلون) ويمنعوا تدريس بعض النظريات وبعض المناهج والنصوص الادبية بحجة مناقضتها لحقائق دينية .
  ولأن الايمان هو اعتقاد مسبق بمسلمات غير قابلة للإختبار و التجريب (لاتجرب الرب إلهك-الانجيل)، اما العلم فيقوم علي مبدأ ان أي مسألة (حقيقة) تخضع للتجربة ولا تكون (حقيقة) إلا حال ثباتها بوجه الاختبار  والي حين ان تثبت التجربة عكس ذلك ،لذا فان الايمان والعلم ليسا وجهان لعملة واحدة كما يدعي أؤلئك العلماء وانما مجالين مختلفين لكل منهما مسار مستقل،ولاينبغي وضع اي منهما في خدمة الاخر كما لايصح الاستدلال بنص ايماني لإثبات أمر علمي والعكس صحيح..
  كما ان وظيفة الايمان تختلف عن وظيفة العلم .. ففي حين يهدف الايمان الي توفير السلام الروحي للفرد (وهو سلام يقود في النهاية ويساعد علي إستقرار المجتمع) ، فان العلم يهدف الي ايجاد تفسير عقلاني لأي ظاهرة غامضة كما يهدف الي تمكين الانسان من بسط سيطرته المادية علي الطبيعة المحيطة به وترويضها لمصلحته للإستمتاع بخيراتها وتجنب شرورها.
  ولذا فإنه ليس من الضروري لك ان يشاركك جارك ذات معتقدك الديني (مسلماتك الغيبية) لكن من الضروري ان يصل معك الي حد معقول من التوافق حول القواعد العقلانية (العلمية)؛ فأختلاف القيم والمعتقدات الايمانية /الدينية يعالج بتشجيع التسامح والتعايش والحوار وأحترام المعتقد الديني لأي انسان وبالاقرار بان لكل انسان مطلق الحرية في اعتناق اي فكر او معتقد وليس ثمة ضرورة لأن يشترك كل الناس في الايمان بعقيدة واحدة، بينما الاختلاف حول مسائل العلم ينحصر دائماً في حدود ما هو ممكن ومتاح (علمياً) فبدون الاشتراك في الاقتناع بصحة قواعد العلم   سيصاب المجتمع البشري بخلل رهيب .. ويمكن أخذ قواعد علم اللغة والاصطلاحات كنموذج إذ بدون التوافق عليها يتعزر بل ويستحيل التواصل والتفاهم بين الافراد والمجتمعات، وكذا بدون التوافق علي قواعد العلوم الأخري (هندسة/طب/كيمياء/أحياء/فيزياء /فلك/إقتصاد/فلسفة/رياضيات...الخ) لايمكن تطوير تلك العلوم أوالاستفادة منها لمافيه خير وسعادة البشرية

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...