التخطي إلى المحتوى الرئيسي

استراتيجية الانكار: في قتل المواطنين المحتجين سلمياً والتنصل عن مسؤولية قتلهم!

   لنظام البشير استراتيجة كاملة في التعامل مع المعارضة الشعبية السلمية تعتمد علي عدة تكتيكات تصب في الختام في تثبيت دعائم السلطة بشتي الوسائل والسبل غير المشروعة قبل الوسائل والسبل الشرعية.  من تلك التكتيكات؛ الارتكان للقوة المفرطة ( الاعتقال لآماد لا نهائية/ اخفاء قسري، وتعذيب، وتصفية جسدية للمعارضين/اغتيالات ).
    ولانجاح هذا التكتيك تبنت السلطة تكتيكات (قانونية) و اعلامية تعتمد استغلال مشرعين و قانونيين و اعلاميين يسهلون عمل جهاز القمع و يعملون علي اخفاء جرائمه و طمس الادلة و تزييف الوقائع و تكثيف الدعاية التي تظهر السلطة في صورة نظيفة!

   بالفعل تم تعديل مجمل المنظومة القانونية من التشريعات و القوانيين الي اللوائح التي تحكم عمل الشرطة و اجهزة المخابرات و الاستخبارات الي جهاز النيابة العامة والمحاكم لتصبح كلها في خدمة الجهاز القمعي بالكامل، بينما تشتغل الميديا علي تجميل المشهد بفرشاتها و الوانها و اضواءها الباهتة او الخافتة.
    من التكتيكات المتبعة هذه الايام في مواجهة حراك انتفاضات مدن السودان المختلفة هي اشتراك اجهزة قمعية مختلفة في تفريق المظاهرات و ملاحقة المحتجين بالقتل! ثم انكار المسؤولية عن القتل عبر ادعاء كل جهاز انه لا يستخدم الرصاص الحي فتضيع الحقيقة بين فوضي المليشيات والقوات المتعددة!
    هذا التكتيك غير مقنع لكنه مع ذلك كان ناجح لجهة انه كان يسهم في تشتيت تركيز و انتباه قوي المقاومة السلمية غير المنظمة جيدا و الاحزاب المنهكة!
    الجميع في السودان يعلم ان السلطة هي المسؤولة عن قتل المتظاهرين السلميين لكن لا احد يملك دليل علي ذلك والاجهزة العدلية غير راغبة في مساعدتهم في البحث عن دليل بالطبع!
    تكتيك الانكار والكذب المكثف نجح كثيرا في اخفاء الحقائق خلف حجاب من دخان المزاعم و الحجج.. ونجح بالتأكيد في بث حالة من اليأس والخوف احيانا من مصير مجهول ( الموت عبثا وسدي دون تحيق اي تقدم لجهة تغيير الواقع ) لكنه لم ينجح في تبرئة صفحة النظام بالتأكيد، اذ يشك الجميع هنا شك يلامس اليقين في ان السلطة مجرمة لكن كما سبق دون امكان البرهنة علي هذا اليقين.
    من التكتيكات كذلك الاستمرار في اخفاء الاعداد الحقيقة للشهداء والاضرار في كل الاحداث والحديث دائما عن ارقام تقل كثيرا عن عدد الضحايا في الواقع ( شهداء حرب الابادة في دارفور و تظاهرات سبتمبر و التظاهرات الحالية ديسمبر2018-يناير 2019م )، وهذا التكتيك ناجح كذلك لجهة صرف النظر و نقل محور النقاش عن التحقيق في الجرائم وتقديم المتهمين للمحاكمات و تركيزه بدلا عن ذلك في جدل عقيم بشأن الارقام و عدد الضحايا!
    اليوم وعقب حادثة اغتيال الطبيب الشهيد بابكر عبد الحميد والذي كان يسهم في علاج اصابات المتظاهرين ميدانيا، انتقلت السلطة الي مستوي جديد تستخدم فيه اطباء وزارة الصحة و اختصاصيي التشريح ( د. محمدبابكر و د. طارق عساكر ) لابعاد الاتهام عن الشرطة والامن و توجيهه الي جهات مجهولة ( حركات/مندسين/مخربين ) فيما كانت في سبتمبر 2013م استغلت سياسيين و امنيين ليقولوا ان مجهولين استغلوا سيارات دون لوحات هم من قتلوا المحتجين السلميين؛ بينما في ذات الوقت تدمغهم بأنهم متظاهرين استخدموا القوة و مالوا لتخريب الممتلكات وهددوا غيرهم!
    ان استراتيجية وتكتيكات النظام في قمع التظاهرات لن تصمد للحظة ان قامت جهة محائدة و مستقلة بالتحقيق في حوادث القتل؛
اذ علي الأقل و بحسب ما يصدر من تصريحات المسؤولين قبل او اثناء التظاهرات، فان ادلة تنهض في مواجهة السلطة ( تصريحات البشير امام قيادات الشرطة عن ان قتل المتظاهرين يدخل في معني القصاص الشرعي!/ و تصريحات النائب السابق علي عثمان طه الذي لوح بان لدي تنظيم السلطة الاسلاموي كتائب ظل- اشباح تنهض للدفاع عنه بقوة السلاح/ و تصريحات رئيس برلمان السلطة السابق الذي هدد و توعد بقطع الرؤوس! ).. هذه كلها قرائن تشير الي ان الجهة التي يصدر عنها الوعيد هي من تنفذه.
    ان استراتيجية الانكار تصلح في ظل سيادة نهج الافلات من العقاب المتفشية منذ وصول التنظيم الاسلاموي للسلطة سنة 1989م و انتشار نهج اللامساءلة و اللاحساب، اما ان قامت دولة قانون فان كل مجرم و مذنب وقاتل سينال جزاءا وفاقا لما اغترفت يداه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...