مواكب الحرية والتغيير انتظمت السودان وانضمت اليها كل الفئات تقريبا (اطباء وكوادر صحية،طلاب، محامين، مهندسين،.. الخ ) و تجاوز الفئات المدنية الي كوادر الهيئات العسكرية!
لكن برغم ذلك بقيت مساهمة قطاع مهم جدا هو المعلمين ( اساتذة مدارس الأساس والثانوي ) بقيت هذه الفئة بعيدة و متمنعة عن اللحاق بموكب التغيير فيما يمثل اتحادهم النقابي الذي تسيطر عليه عناصر الحزب الحاكم احد داعمي استمرار الحكم الحالي!
المعلمون هم الأقدر علي الاجابة عن هذا التساؤل لكن عليهم اولا ان يطرحوه للتداول بينهم.
و في انتظار ذلك يحق لنا ايضا ان نحاول تفسير موقفهم، لكونهم فئة مؤثرة جدا بحكم تواصلهم اليومي مع كل الأسر و تأثيرهم علي جيل المستقبل.. ولموقفهم اكبر الأثر.
في تقديري اول اسباب ضعف اسهام المعلمين هو اضعاف مركزهم، فوظيفة المعلم لعقود خلت لم تعد وظيفة جاذبة ولا تلقي تقدير مثلما كانت في الماضي، هذا الأمر لم يكن سهوا بل متعمد؛ اذ احجمت الدولة عن توفير الربط المالي الضروري لتقوية التعليم و توفير شروط العمل اللازمة للمعلمين، هذا التدهور ادي الي مغادرة الكثيرين لسلك المعلمين و احجام آخرين عن الالتحاق به وقامت الجهات المختصة ( وزارة التربية ومكاتب التعليم ) بفتح وظائفها لعناصر لا تملك التأهيل و لا الصفات الضرورية لشغل وظيفة صانع المستقبل! فالتحقت بسلك التعليم اعداد لا يستهان بها ممن يفتقرون للوعي والثقافة الضرورية ولمن يعوزهم التقدير الذاتي لأنفسهم و لدورهم في المجتمع والحياة..
هذا علاوة علي ان السلطة استهدفت النقابات و الثقافة العمالية و الحقوقية و كان نصيب المعلمين منها وافر، فانحلت الرابطة واصبحت النقابة عبارة عن وكالة تجارية للبيع بالاقساط اثري بها النقابيين واضاعوا اعضاء النقابة ( المعلمين ) مهنيا و حقوقيا.
سيطرت حكومة المؤتمر الوطني علي النقابات عبر تقسيمها شيعا و تفتيتها لا علي اسس موضوعية لاغراض المهنة انما علي اساس شكلي لاغراض امنية؛ ذلك بما اسمته نقابة المنشأة كوحدة علي اتصال مباشر بالعاملين، لتحول بذلك دون تجمع الكثير من العمال وعلي اساس الانتماء لمهنة معينة.
نقابة المنشأة تعني للمعلمين ان ينحصروا في اسوار مدرستهم او في احسن الاحوال في حدود مكتب التعليم بالمنطقة! ومع ذلك ينتشر بينهم عدد من منسوبي المؤتمر الوطني و المتعاونون مع جهاز الأمن يتجسسوا علي زملاءهم و يرصدوا كل سكناتهم تحركاتهم واقوالهم و افعالهم ليتمكن الأمن من احباط اي مسعي لإنجاز نجاح مطلبي مهني او مالي.
ان الوقت لم ينقضي بعد ولا يزال متاح امام المعلمين ان يلحقوا بمواكب الحرية والتغيير لبناء وطن واحد واعد وناهض.. ومكانهم في مقدمة الموكب لا يزال شاغرا
ليس عيبا ان يلحق المعلم بتلاميذه، بل العيب ان يظل مصرا علي الخذلان وان يفوته شرف المشاركة في التغيير و معركة الحرية و بناء دولة المواطن.
الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة! تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!! في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...
تعليقات
إرسال تعليق