التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ثورة السودانيين علي دكتاتورية الاسلام السياسي

  ثورة السودان او بالاصح انتفاضة الشعب الثالثة ' الاولي كانت سنة 1964م و الثانية 1985م' تختلف عن مثيلاتها في المنطقة العربية، فالاخيرات كانت ضد دكتاتوريات انظمة حكم الضباط الاحرار ' تنظيمات عسكرية ببعد ايدولوجي و سياسي' بينما السودانيين انتفضوا في ستنيات القرن الماضي علي جنرال رفيع المستوي كان يشغل مركز القائد العام للجيش قبل ان ينفذ انقلابه السياسي ويحكم بمجلس هو بالفعل المجلس العسكري الاعلي للقوات المسلحة ولم يكونوا شلة ضباط صغار مغامرين ذوي طموح و اطماع في شهرة او مال او مناصب.. بينما ثاروا منتصف الثمانينيات علي حكم الضباط الاحرار بقيادة 'العقيد' جعفر محمد نميري.
  اي ان السودان طوي حكم الضباط الاحرار 'العسكر ذوي الميل اليسار و القومجي' قبل ان تدخل دول كثيرة في المنطقة هذه الحقبة.
  فيما يمثل حكم البشير و بامتياز حقبة حكم الضباط ذوي الميول الاخوانية ونهج الاسلام السياسي، و رغم ان النميري انتسب الي هذه المدرسة اخريات حكمه الا ان البشير يمثل الصورة النقية لها.
  و حكم تيارات الاسلام السياسي حسب خبرتنا في السودان وملاحظتنا لنماذج ايران و تركيا.. يختلف عن سائر تجارب الاحزاب الايدولوجية و القومية و عن تجارب النظم العسكرية الشمولية و عن حكومات الاحتلال الاجنبي و الاستعمار..
  فجماعات الاسلام السياسي ليس لديها اية سقوفات، اذ تدمر اية مؤسسة او تقليد تراه مهددا لاستقرارها وقبضتها، لا تقيم وزنا للحدود السياسية و لا للوحدة الوطنية و لا لضمانات دولة العدل وحكم القانون واستقلال القضاء و لا لحيادية المؤسسة العسكرية والامنية، و لا اهمية لمؤسسات المجتمع المدني..
  فهي تسعي لتدجين كل المؤسسات والهيئات و طيها تحت جناح مؤسستها الامنية حتي تضمن بقاءها!
  بينما لكل النظم والحكومات الوطنية و الاستعمارية حدود وسقوفات تقف دونها حتي وان طان المقابل الاعتراف بفشلها و تسليمها مقاليد الأمور، بينما حكومات الاسلام السياسي تري السلطة غنيمة والحكم تكليف خصها به الله و عليها ان تستمر لأن استمرارها غاية في ذاته و نصر مؤزر و فشلها في الابقاء علي الشعوب خاضعة دونه سقوطها ماديا و ليس فقط معنويا، اذ ليس لديها في فقهها تسليم سلطة او تداول سلمي انما فقط احد الحسنيين ان تحكم بهلاك الجماهير او تنال هي الشهادة!
اخر سقوط رأه العالم لحكم اسلام-سياسي كان سقوط السلطنة و الخلافة العثمانية و كان ذلك بفضل تأثير حرب 'كونية' هي الحرب العالمية الأولي و بدفع من مد قومي تركي في عصر صعود الدولة القومية.
  لقد وصل الاسلام السياسي 'الشيعي' للحكم في الايران قبل الاسلام السياسي 'السني' في السودان ( و لست من انصار هذا التصنيف المذهبي لأن السياسي الشمولي كالارهابي لا دين له و لا مذهب الا ما يخدم مصلحته ) بعقد كامل لكنه لا يزال صامدا و لايزال الشعب الايراني يعاني في قيده بلا امل قريب.
  سقوط مرسي و اخوان مصر لا ينهض نموذج هنا لأن مرسي وصل للحكم بالانتخاب والاختيار و لم يصل لمرحلة تأسيس حكم دكتاتوري انما انقضت عليه الديكتاتورية المصرية العريقة قبل ان يقوي عوده.
بينما في السودان فان شعبه يعد نفسه و يعد العالم بشهود اول سقوط لدكتاتورية حكم اسلام سياسي معاصر.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...