تعددت وتزايدت بمعدﻻت خطيرة في السنوات الماضية حوادث الاقتتال والصدام القبلي في مختلف ارجاء السودان. راح ضحية ذلك الاقتتال عدد كبير من المواطنين، كما نتجت عنه خسائر مادية اقتصادية، وترتبت عليه العديد من حالات النزوح والتشرد، وبتعدد وتزايد حالات الاقتتال تلك تعددت مؤتمرات الصلح القبلي التي تهدف لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة..
مع الأسف فان مؤتمرات الصلح فشلت في وضع حد لتلك الظاهرة وذلك لسبب بسيط، هو ان الية الصلح ( المؤتمرات ) لا تفيد في وضع اساس يمنع تكرار مثل تلك الحوادث والاعتداءات القبلية في المستقبل، ولو علي المدي القصير، وانما تجدي فقط في تهدئة النفوس وامتصاص الانفعالات والضغائن عبر ما تتخذه من اجراءات لوقف التعديات ودفع الديات و هذه مرحلة يجب ان تعقبها مراحل و ترتيبات اخري.
فشل مؤتمرات الصلح تلك مفهوم و مبرر ولا يقدح في نوايا من يرتبون ويشاركون فيها وذلك لكون ان تلك الصراعات والحروب القبلية لا تقبل التسوية بمثل تلك الاليات انما تعالج وفق رؤية تستوعب الاسباب التاريخية "ترسبات الانتماءات العرقية والقبائلية وضغائنها" والأسباب الراهنة كالاحتكاكات الناتجة عن ضعف بنيات التنمية وتدهور الاوضاع المعيشية والاقتصادية في مناطق تلك القبائل، اضافة الي تدخل العامل السياسي بصورة سلبية في استقطاب "سياسي وعسكري!" علي اسس عرقية و دينية زائدا استيعاب العوامل المستقبلية ايضا ذلك عبر التحسب لكل ما يمكن ان يطرأ من تغيير علي الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
مؤتمرات الصلح يمكن ان تكون خطوة وحلقة في سلسلة طويلة من الاجراءات العلاجية تقود في النهاية الي تحقيق استقرار ومصالحات مستديمة بين القبائل المتنازعة. ويمثل القانون احد تلك الحلقات بل والحلقة الأهم في سلسلة الاجراءت تلك، ذلك من خلال تطبيق الاجراءات القانونية والجزاءات التي تهدف لتحقيق العدالة الجنائية بما يردع اصحاب النزعات العدوانية والاجرامية الذين يستغلون حالات التوتر القبلي للتنفيس عن نزعاتهم تلك.
تفعيل الحلقة القانونية يقتضي اعمال المنشور الجنائي الخامس لسنة 1951م المعني بالاجراءات واجبة الاتباع في حالات المشاجرات والاشتباكات الجماعية "الشكلات" والذي افاض في وضع وشرح تلك القواعد الاجرائية و تقسيماتها ( المحاكمات المنفصلة والمحاكمات المشتركة بمحضر واحد و المحاكمات المشقوقة ) وتبيين الحالات التي يوصي فيها المنشور باتباع اجراء معين خلافا للاجراءات الاخري.
تطبيق القانون علي تلك الحروب والاشتباكات القبلية وفق الالية المبينة في المنشور يرسخ المبادئ العقابية ويكرس لسيادة القانون والنظام والضبط العام و يحمي الارواح والدماء والممتلكات وينهي حالة الانتهاكات و الهدر والاستباحة، وذلك لكون ان الاقتصار علي اجراءات مؤتمرات الصلح قد يحمل البعض علي الاعتقاد بأن الاشتراك في اشتباك او مشاجرة قبلية لا يمثل جريمة خطيرة و لن يكون له تبعات او عقوبات ولا عواقب لافعاله التي يرتكبها استجابة لنداءات القبيلة!
ان السلسلة المشار اليها؛ والتي تهدف معالجة ومنع والتخفيف من حدة النزاعات القبلية التي تقود الي اشتباكات يجب ان تضم حلقات اخري اضافة لآليات القانون و مؤتمرات الصلح، من ذلك حلقات التربية والتعليم و التثقيف عبر كل الوسائط وتوظيف كل الفعاليات الاجتماعية ومراعاة العوامل السياسية والاقتصادية.. وذلك لأن القانون بمفرده ايضا لا يمكن ان يعالج المشكلة فالقانون لا يعمل بمعزل عن باقي الظروف كما انه في الغالب يهتم بوضع حلول ومعالجات لمشاكل حادثة فعليا وفرض تدابير عقابية او ما شابه تطبق علي من يبدر عنهم سلوك مخالف للقانون ( فالقانون يهتم بالواقع لا بالماضي ولا احتمالات المستقبل )، لذا فان علاج النوايا الاجرامية المتصلة بالاقتتال القبلي يقتضي صياغة توليفة متكاملة تكون بمثابة تركيبة تنموية شاملة تسعي لتطوير ثقافة تعايش في بيئة متمدنة و حضارية بعيدا عن العنف والدماء و مشاعر الثأر و الانتقام البدائية.
...................... ...................
* نشر بتاريخ 20 يوليو 2009م بصحيفة الخرطوم.
مع الأسف فان مؤتمرات الصلح فشلت في وضع حد لتلك الظاهرة وذلك لسبب بسيط، هو ان الية الصلح ( المؤتمرات ) لا تفيد في وضع اساس يمنع تكرار مثل تلك الحوادث والاعتداءات القبلية في المستقبل، ولو علي المدي القصير، وانما تجدي فقط في تهدئة النفوس وامتصاص الانفعالات والضغائن عبر ما تتخذه من اجراءات لوقف التعديات ودفع الديات و هذه مرحلة يجب ان تعقبها مراحل و ترتيبات اخري.
فشل مؤتمرات الصلح تلك مفهوم و مبرر ولا يقدح في نوايا من يرتبون ويشاركون فيها وذلك لكون ان تلك الصراعات والحروب القبلية لا تقبل التسوية بمثل تلك الاليات انما تعالج وفق رؤية تستوعب الاسباب التاريخية "ترسبات الانتماءات العرقية والقبائلية وضغائنها" والأسباب الراهنة كالاحتكاكات الناتجة عن ضعف بنيات التنمية وتدهور الاوضاع المعيشية والاقتصادية في مناطق تلك القبائل، اضافة الي تدخل العامل السياسي بصورة سلبية في استقطاب "سياسي وعسكري!" علي اسس عرقية و دينية زائدا استيعاب العوامل المستقبلية ايضا ذلك عبر التحسب لكل ما يمكن ان يطرأ من تغيير علي الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
مؤتمرات الصلح يمكن ان تكون خطوة وحلقة في سلسلة طويلة من الاجراءات العلاجية تقود في النهاية الي تحقيق استقرار ومصالحات مستديمة بين القبائل المتنازعة. ويمثل القانون احد تلك الحلقات بل والحلقة الأهم في سلسلة الاجراءت تلك، ذلك من خلال تطبيق الاجراءات القانونية والجزاءات التي تهدف لتحقيق العدالة الجنائية بما يردع اصحاب النزعات العدوانية والاجرامية الذين يستغلون حالات التوتر القبلي للتنفيس عن نزعاتهم تلك.
تفعيل الحلقة القانونية يقتضي اعمال المنشور الجنائي الخامس لسنة 1951م المعني بالاجراءات واجبة الاتباع في حالات المشاجرات والاشتباكات الجماعية "الشكلات" والذي افاض في وضع وشرح تلك القواعد الاجرائية و تقسيماتها ( المحاكمات المنفصلة والمحاكمات المشتركة بمحضر واحد و المحاكمات المشقوقة ) وتبيين الحالات التي يوصي فيها المنشور باتباع اجراء معين خلافا للاجراءات الاخري.
تطبيق القانون علي تلك الحروب والاشتباكات القبلية وفق الالية المبينة في المنشور يرسخ المبادئ العقابية ويكرس لسيادة القانون والنظام والضبط العام و يحمي الارواح والدماء والممتلكات وينهي حالة الانتهاكات و الهدر والاستباحة، وذلك لكون ان الاقتصار علي اجراءات مؤتمرات الصلح قد يحمل البعض علي الاعتقاد بأن الاشتراك في اشتباك او مشاجرة قبلية لا يمثل جريمة خطيرة و لن يكون له تبعات او عقوبات ولا عواقب لافعاله التي يرتكبها استجابة لنداءات القبيلة!
ان السلسلة المشار اليها؛ والتي تهدف معالجة ومنع والتخفيف من حدة النزاعات القبلية التي تقود الي اشتباكات يجب ان تضم حلقات اخري اضافة لآليات القانون و مؤتمرات الصلح، من ذلك حلقات التربية والتعليم و التثقيف عبر كل الوسائط وتوظيف كل الفعاليات الاجتماعية ومراعاة العوامل السياسية والاقتصادية.. وذلك لأن القانون بمفرده ايضا لا يمكن ان يعالج المشكلة فالقانون لا يعمل بمعزل عن باقي الظروف كما انه في الغالب يهتم بوضع حلول ومعالجات لمشاكل حادثة فعليا وفرض تدابير عقابية او ما شابه تطبق علي من يبدر عنهم سلوك مخالف للقانون ( فالقانون يهتم بالواقع لا بالماضي ولا احتمالات المستقبل )، لذا فان علاج النوايا الاجرامية المتصلة بالاقتتال القبلي يقتضي صياغة توليفة متكاملة تكون بمثابة تركيبة تنموية شاملة تسعي لتطوير ثقافة تعايش في بيئة متمدنة و حضارية بعيدا عن العنف والدماء و مشاعر الثأر و الانتقام البدائية.
...................... ...................
* نشر بتاريخ 20 يوليو 2009م بصحيفة الخرطوم.
تعليقات
إرسال تعليق