التخطي إلى المحتوى الرئيسي

معضلة تربية الاطفال في مجتمعنا!

  نتحدث كثيرا عن التربية .. تربية الاطفال ولكننا في الغالب نعني الماديات؛ تكاليف الطعام والكسوة والتعليم والعلاج و التسلية.. الخ لا نتحدث عن ولا انهتم بالشق الروحي والمعنوي.
  كل الاطفال يولدوا لطفاء و فطنين، متعاطفون ولماحون، وعلي الفطرة بلا عنصرية او عصبية من اي نوع، لكن المجتمع يشرع فورا في تدجينهم، يغذي فيهم الأنا، والانتهازية، والبلادة، والعصبيات اللونية والجنسية والعرقية و الطائفية..
  يولد الاطفال بقدرة عالية علي التخيل و قدرة ايضا علي عقلنة الامور، يشرع الطفل بمجرد تمكن حواسه من الادراك والتفاعل في الملاحظة وطرح الاسئلة والبحث عن اجابات..
  لكن مجتمعنا مع الأسف ومن الابوين والأسرة الصغيرة والمجتمع المحيط و المدرسة و الي الأمة يشرع ايضا في لجم ميل الطفل للملاحظة و طرح الأسئلة! فهو اما يذجره وينهاه صراحة او يضحك منه او يتجاهله بما يهز ثقته في نفسه ويدفعه من تلقاء نفسه للجم فضوله والذي هو اهم محفزات الادراك والوعي والابداع المستقبلي، ثم تأتي مدارسنا لتجهز عبر التعبئة والتلقين علي ما تبقي من فطرته ليتحول لنسخة اجتماعية باهتة و مكررة ويصبح جاهزا لانخراط في سلك مجتمع رتيب خامل! ويدمج ادماج في اسلوب حياتنا التي هي اشبه بحياة افلام الكرتون! يعيش ابطالها حياة بلا قيمة و بلا هدف وبلا روح! تعيش لا لذاتها ولما تحب بل كما يعيش ابطال الكرتون لارضاء المشاهد نعيش نحن حياتنا بالكيفية التي ترضي الاخرين و ترضي عنا مجتمعنا!
  لذا هي حياة بلا تطور وبلا ابداع وبلا هدف، نفعل فيها ما يفعل الاخرون لنكون مثلهم؛ فقط هذه هي غايتنا، نتزوج لا لنحقق رغبة وغاية بل ليرضي عنا المحيطون ويقبلنا المجتمع ويمنحنا الاحترام والتقدير! ننجب لا لنرضي انفسنا ونحقق رغبة ذاتية و حلم خاص؛ بل لنسعد اخرين ولنبدو مثل غيرنا!  يذهب اطفالنا للمدارس لا لأننا نريد ذلك لنمنحهم هدف في حياتهم بل لأن اطفال الاخرين يذهبون الي المدارس! نعمل لا لأننا نريد ان نثبت شئ لذواتنا او لأن لدينا ما نقدمه ونساعد به؛ بل فقط لنعيش مثل الاخرين ولنكسب قوتنا تماما كما تفعل ابسط المخلوقات!
  لذا نحن لا نعيش بل نكرر تجربة اباءنا! نحن لا ننجب اطفالا بل نستنسخ ذواتنا لتكررنا في سلسلة لا نهائية؛ و لأننا سبق تدجيننا بنجاح لا نلحظ رتابة حياتنا و لا نفعها ولا قيمتها بل ننغمس فيها بلا تفكير!
و لذا نحن لا نملك القدرة علي تربية اطفال ليعيشوا انسانيتهم انما فقط نعيد انتاج انفسنا في نسخ باهتة، نحن فقط نسهم في حفظ نسلنا من الانقراض!
  مجتمعنا يعمد الي قدرة الاطفال العالية علي التخيل و استعدادهم لعقلنة الاشياء وفهم منطقها، فيخلط تلك الفطرة؛ يطالبهم بالعقلنة والمنطق فيما يقتضي تخيل، ويأمرهم بالخيال فيما يتطلب منطق وعقل! مجتمع يستعين في الكسب المعرفي والمادي والوظيفي بالدعوات و التعاويذ والتمائم والسحر احيانا؛ فيما يقتضي ذلك جد واجتهاد ومعرفة علمية و جهد عملي! و بينما في امور الدين والايمان يزعم انها امور عقل!
لذا يفقد اطفالنا مبكرا القدرة علي التفكير السليم و يختلط عندهم مثلنا حابل العقل بنابل الخيال والخرافات ايضا! فيفقدوا القدرة علي التعلم المفيد و علي التخيل ..
في حين كان يجب تنمية و توظيف و توجيه قدراتهم التخيلية في اتجاهات الابداع الادبي 'الشعري والقصصي والروائي..' والعلمي ايضا 'الابتكار والاختراع والاكتشافات'. وتنمية قدرة الفهم و العقلنة العالية ايضا ليفهم الحياة من حوله وما تنبني عليه من علاقات منطق الاسباب والنتائج فيمتلك سلاح المعرفة والعلم والذي هو اهم سلاح في عالمنا اليوم، نحن نجرده من هذا السلاح ثم نقذف به في موج الحياة المتلاطم و نطالبه بالسباحة والا يغرق مع انه مكتوف العقل والارادة ونحن من قيدناه بايدينا!؟
  هذا الخلط هو ما يبرر حالنا اليوم الذي هو حال مجتمعات بلا أي ناتج وبلا أي منجزات وبلا اضافة للإرث الانساني!
  المعضلة الحقيقية في التربية والاصلاح التربوي هي انه شأن عام، اذ لا يتوقف شأن تربية الاطفال علي والديهم بل يتعداهم سريعا الي الاعلام 'القنوات والبرامج التلفزيونية للاطفال وهي آخذة في التزايد بمعدلات رهيبة، والكتب المصورة والمجلات، والمقررات المدرسية..' ثم المدرسة، والشارع العام.. الخ فالطفل سريعا ما يصبح عرضة للتأثر بما يجده في الصحف و ما يسمعه من الاذاعات و يشاهده في الافلام و ما يسمعه من اقرانه و ما يسمعه من خطيب المسجد.. الخ، و لذا فان تربية الاطفال يحتاج الي نظرية عامة متوافق عليها مجتمعيا حتي يتجنب الاباء والاطفال ايضا ازمة الوقوع في تناقضات تضر بالاطفال قبل غيرهم وتعيق نموهم و نمو المجتمع ايضا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...