التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الذكورية الزائفة و ربات الخدور الجندريات!

  توصف مجتمعاتنا بأنها ذكورية، فالي أي مدي هذا الوصف دقيق؟ هل سيطرة الرجل حقيقية؟ ومطلقة؟ ام صورية ومنازعة؟
  دعونا نختبر هذه العلاقة في مختلف اوجهها، لنستبين القواعد الآمرة التي تفرض ذكوريته من عدمها!
طبيعي ان قواعد المجتمع Social Norms ليست مكتوبة، اذ هي اعراف متقادمة، قد يكون بعضها مكتوب كقواعد الدين لكنها لا تمثل الا جزءا يسير من قواعده وان كانت تستمد فعاليتها وتميزها من طبيعتها 'السماوية' ومن صفة كونها مكتوبة؛ لكنها تبقي في النهاية جزءا من كل متكامل، وفي اغلب الاحيان تكون لاعراف المجتمعات البدائية 'قبائلية' قوة نفاذ واعتبارية تفوق قوة ما عداها من قواعد..
  لذا مهما كانت النصوص الدينية في غالبها تكرس لهيمنة الرجل ولذكورية المجتمع فانها لا تعكس الا وجه واحد للمجتمع من بين وجوه عدة.
  ثم ان حياة مجتمعاتنا بطبيعة انسانها وسمته الشرقية لها بعدان و وجهان احدهما ظاهر ومعلن والاخر خفي و سري.. فهل كذلك تسري قاعدة واحدة او قواعد متسقة في كلا الحالتين ( السر والعلن )؟! وتدعم اتجاه واحد ( الذكورية )؟!
  النظام الذكوري 'الأبوي' معروف في علوم التاريخ والاجتماع علي انه احد مراحل تاريخ المجتمعات البشرية دانت فيه المجتمعات لسلطة الذكور 'ولا احد يعرف علي وجه الدقة متي اكتملت تلك السيطرة الذكورية لكن يؤرخ لها علي الاقل قبل 50الف سنة'، اما قبلها فقد كان يحكم نظام 'اموي' اي السيطرة المطلقة فيه للنساء.. ولا تزال مناطق علي سطح الكوكب تحكم امويا 'قري في ارياف الهند الشرقية' كما ان هناك حالات عديدة تتمكن فيها النساء من انتزاع السيطرة والتمرد علي سلطة الرجل ما يعني ان النظام الذكوري ليس راسخا بل منازعا.
  ان المجتمعات البشرية بطبعها تتسم بمرونة عالية ولها منظومة من القواعد المتنوعة والقواعد المرنة التي تقبل التشكل في مختلف الصيغ و خدمة كل الاتجاهات والاهداف 'مع المنتصر'، فان هيمنت اي جهة او فئة في مرحلة ما يتم استدعاء القواعد التي تخدم هيمنته و يتم ايضا تطويع بقية القواعد لذات الغرض. فالقانون الرئيس والقاعدة الذهبية التي تحكم مجتمع البشر هي قاعدة وقانون 'الأمر الواقع'.. وهي قاعدة من المرونة بمكان، لذا يصعب دمغ مجتمع بشري ما بصفة واحدة ايا كانت 'بما في ذلك الذكورية او النسوية'، فلأي لوحة اكثر من وجه او علي الأقل اكثر من زاوية نظر، و من ينظر للمجتمع الشرقي من وجهة نظر نشطاء حركات النسوية الغربية 'سيدمغه عن جهل طبعا' بصفة الذكورية، لكن الواقع غير المعلن او غير المكتوب يختلف كثيرا فاغلب الافعال التي نراها ذكورية تحركها دوافع ورغبات انثوية ومثلما خلف كل عظيم أمرأة فان خلف اي حركة او سكنة أمرأة ايضا، فما يحدث في الخفاء هنا يبقي في الخفأ، ونحن شعوب بذكوريتنا ونسويتنا امم كتومة متحفظة، ما يتجاوز الهمس نعده فضيحة!
  لماركس فيلسوف الاشتراكية والمادية مقولة مهمة هي ان الاقتصاد محرك التاريخ لكنه لم يقل ان المرأة محرك الاقتصاد وان كان غيره قال! وهي بالتالي 'المرأة محركة التاريخ' وهذا ينطبق علي الشرق مثلما علي الغرب وربما فقط كان في الغرب اوضح لكنه في الشرق خفي لكن ربما كان اصدق.
  كل المجتمعات بدأت اموية كما يحدثنا علم تاريخ المجتمعات، وقد تصادف ان الرجل -الذكر وجد في مرحلة ما ان اغلب الموارد وضعت في يده و امتلك الثروة/ والادوات التي تكرس لسيطرته فقام بتطويع القواعد التي تخدم سيطرته و استدعاء النصوص التي تطبع لذلك. امتلك الرجل وانفرد بالتفوق في العمل والكسب والاستحواز وسعي بعدها لتوفير المظلة التي تشرع وتحمي هيمنته.
  في الغرب مثلا لم تخرج المرأة للعمل والامتلاك الا مضطرة بظروف الحربين العالميتين الاولي والثانية ومن حينها ترتب وضع جديد؛ اما في الشرق فان النساء المطالبات ب 'حق' الخروج والعمل والامتلاك هن يطلبن امتيازا في الغالب و لسن مضطرات لذلك الا ما ندر من الحالات! وفي ذات الوقت غير مستعدات للتنازل عن امتيازاتهن 'مع اقرارنا بضألتها' ومكاسبهن في ظل النظام الذكوري. بمعني انهن يردن ان يجمعن بين محاسن النظامين و بين امتيازات عهد الحداثة / عصر النسوية و عصر سيادة الرجل أي ان يكن كربات الخدور لزمان وجندريات لزمان آخر ! وهذا مطلب صعب وان تحقق سينتج عنه وضع اكثر شذوذا عما هو سائد الأن في مجتعاتنا.
  لو اجرينا استطلاع الأن فان معظم النساء في الشرق سيدعمن استمر النظام الذكوري /الأبوي المعلن و بشقه السري، ليس عن جهل ولا خوف من المجهول وانما لأنه 'النظام الذكوري' يوفر لهن ايضا امتيازات وحقوق لا يستهان بها؛ فهن لسن مسؤولات عن شئ ولا مطالبات بشئ، فالعيش في ظل الآخر 'الرجل' ولو بقدر ضئيل من الحقوق وبلا مطالبات في المقابل ليس بالأمر الهين التنازل عنه خصوصا في ظل الوضع الاقتصادي والسياسي والقانوني  الراهن. كما انهن لسن خاملات بالمطلق او غير فاعلات بل يفعلن من وراء حجاب ومن خلف ستر.
  ان الحقوق المختلفة 'سياسية او اقتصادية او اجتماعية' ليست مجرد قواعد مثالية صاغها فلاسفة في غرف مغلقة وانما نتاج صراع مرير وطويل و نتاج تفاعلات و وقائع وحقائق علي الميدان وعلي ارض الواقع.
  لذا علي كل من يريد ان يغير القواعد ان يعرف ان التغيير سيطال المعلن والسري منها، و ان ينزل الي ميدان الصراع الاجتماعي بكل عتاده وكل مقتنياته دون خوف من خسارة مكتسبات قديمة وبكامل الاستعداد لتقديم تنازلات عند الضرورة، فكما يقال: ان الحقوق تنتزع ولا تمنح.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...