التخطي إلى المحتوى الرئيسي

السكة حديد .. هل تعاود المسير؟

  يوما ما كان سكان الخرطوم و كل المدن والقري التي تنتشر بها محطات و سندات 'السنده محطة يتوقف فيها القطار دقائق معدودات' و قد كانت تلك المحطات منتشرة علي امتداد اميال الوطن من حلفا شمالا الي واو جنوبا ومن بورتسودان شرقا الي نيالا غربا؛ كانوا يضبطون ساعاتهم علي ميقات انطلاق او وصول قطارات هيئة سكك حديد السودان.. اذ كانت السكة الحديد مثالا في الدقة والانضباط في الواعيد وكانت  ساعاتها المنصوبة بمحطاتها الرئيسية ذات نظام الاربع وعشرون ساعة تحرس ذلك الانضباط وتلك الدقة.
  واليوم حال السكة الحديد يغني عن السؤال، وبرغم المحاولات العديدة والخجولة لاعادتها لسيرتها الاولي، الا ان الواقع يكذب ذلك، فلا تزال السكك الحديدية بعيدة كل البعد عن معشار ما كانت تسهم به في حركة النقل وعملية التنمية. و ما كانت تسهم به في نقل الركاب و البضائع والمؤن وتسهيل لوجستيات الدولة بجهازيها المدني والعسكري..
  ان اعادة السكة حديد لسابق عهدها 'ما كانت عليه في بدايات ومنتصف قرن مضي' لا يعقل ان يصبح هدف وطموح اليوم، و الا فهو طموح خاملين!
  فأولا، لم تبقي من بنية السكة الحديد القديمة الا بقايا واثار لا تري الا بعد بحث واستكشاف، بعد ان كانت اصولها 'مبانيها واراضيها، وقطاراتها، وقضبانها، و ورش صيانتها' ملء السمع والبصر، كانت بنية واصول ضخمة تمثل بحق بنية نقل لوطن ناهض، وكان لا يخلو حي او منزل من عامل او موظف بالسكك الحديدية، وكانت قوانينها ولوائحها ونظم تشغيلها مواكبة لاخر ما توصلت له الامم المتحضرة، كانت باصولها ومواردها البشرية ونظمها تمثل قطاع تنموي بحق ولا مقارنة حينها بينها وبين اصول قطاع القمع 'الجيش والامن والداخلية' بينما الأن هي لا تملك معشار ما يحوزه هذا القطاع، فكيف تعود لسيرتها!
لنكن واقعيين وطموحين فليس ثمة ما يني عليه، بل يجب ان تبدأ مجددا ومن الصفر، و توضع 'خارطة قضبان' جديدة تراعي الحال الاقتصادي والسكاني الجديد، السكة الحديد بنيت في السابق من الاساس خدمة لجيش الغزو فانطلقت من حلفا الي عطبرة الي الخرطوم، ثم تمددت لاحقا لاغراض التنمية الي الوسط 'سنار - كوستي' والي الشرق 'بورتسودان - هيا' عبر عطبرة والي الغرب 'تندلتي - امروابة - الرهد - الابيض - نيالا' والي الجنوب الذي ذهب الأن الي سبيل حاله!
  ويجب اليوم رسم خارطة جديدة تراعي حال وحاجة التنمية في الزمن الراهن، خارطة لا تنطلق من نقطة وتهدف الوصول لاخري بل لمد شبكة متكاملة من القضبان تخدم كل المناطق وكل المواطنين وكل قطاعات الانتاج.. شبكة تهدف لربط كل المناطق ببعضها الاخر باقرب طريق لتوفير عنصر الوصول في اقل زمن اذ لا يعقل ان يكون الطريق الوحيد الذي يصل سنار وكوستي بالموانئ مارا بالخرطوم ، ولا الذي يربط الغرب البعيد بالشرق كذلك!
  فتوفير خدمة نقل في عصر تقنيات لمح البصر تتطلب خارطة طموحة توفر اكثر من خيار..
  في بلد لايزال مترامي الاطراف 'رغم انفصال ثلثه' يجب البحث في نماذج شبيه كنموذج امريكا التي تنقسم قطاراتها الي سكك حديد الشرق و سكك حديد الغرب،  ونموذج الهند..
  الاسلوب القديم الذي كانت فيه 'هيئة سكك حديد السودان' هي المسؤول الوحيد عن النقل الحديدي لن تكون مجدية اليوم، بل يجب ان تكون الهيئة جهازا مسؤول فقط عن التنظيم لهذا القطاع والمالكة للبني التحتية الرئيسية 'تماما كهيئة الطيران المدني، وهيئة الموانئ البحرية' ثم يتم انشاء اكثر من شركة مساهمة عامة تملك القطارات وتسير الرحلات في اقسام وجهات بعينها من القطر المترامي 'الشرق، والغرب، والشمال والجنوب' وبتنسيق عالي بينها في ما يخص التخزين و المناولة للتحويل من مسار الي اخر وصولا الي النقطة الأخيرة التي يقصدها الراكب او السلع والبضائع.
  يجب في الخرطوم مثلا تشييد اكثر من محطة جديدة في الاطراف الثلاث في سوبا مثلا و ضواحي امدرمان 'التي لم تمر بها القطارات من قبل' و شمالي بحري، اذ ما عادت محطة بحري التي شيدت منتصف التسعينات مجدية، ويجب طبعا ربط تلك المحطات الثلاث ببعضها البعض، اما موقع محطة الخرطوم القديمة و محطة بحري فيجب اخلاءها والاستفادة من مساحتها كمتنفسات للمدينة 'متنزهات وحدائق' بدلا عن ان تنتقص لصالح شاهقات الاسمنت ومواقف سيارات المواصلات العامة 'كركر و شروني' مثلما هو حادث اليوم !

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...