المكون العسكري المتمثل في كبار الجنرالات "الكُهن الفوق" اعتبر ان توجه المتظاهرين يوم ٦ ابريل ٢٠١٩م للقيادة العامة و اعتصامهم هناك بمثابة تفويض مفتوح لهم للتصرف سياسياً و ادارة مرحلة ما بعد سقوط "نظامهم البائد" .. لذلك هم يصرون علي التشبث بالسلطة و يعملون بجد لحماية مصالح كبار الجنرالات و المقربين منهم من قادة المؤتمر الوطني، يريدون تغيير متحكم به و محدود الأثر، تغيير لا يشمل قواعد العمل السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي، تغيير لا يقود الي انهاء حالة التساهل مع الفساد و لا يبني مؤسسات حكم القانون انما تستمر معه حالة الافلات من العقاب و يحتفظ الذين سرقوا المال العام بما نهبوه و ما أغلّوه!
يعتبرون التوجه الي القيادة تفويض مع انهم لم يقفوا متفرجين علي الحراك الذي استمر لخمسة اشهر قبل ابريل ٢٠١٩م و حسب؛ بل كانوا في قمة لجنة النظام الأمنية التي ترأست و ادارت عملية القمع و الاعتقالات و الاغتيالات و التعذيب!
و حتي بعد وصول الحشود الي محيط القيادة العامة و اقامتها هناك لستة ايام بلياليهن، بقيت اللجنة الامنية للنظام البائد بلا حراك مفسحة المجال لمليشيات المؤتمر الوطني لتفرق المعتصمين عبر الهجوم عليهم و تنفيذ عمليات قتل و اصابات...
حتي اذا بان فشل النظام البائد و تنظيمه المدني و الأمني في استعادة توازنه تحركوا ليس انحيازاً للشعب بل انحيازاً لأنفسهم و خوفاً من مصير "رأس النظام"، فالمخلوع ان استتب له الأمر بعد تلك الاضطرابات كان سيبحث عن ضحايا و كباش فداء و مامن كباش افضل من كبار القادة الأمنيين و العسكريين انفسهم، و قد سمعنا انه كان بصدد الاطاحة برأس الجهاز الأمني "قوش" و تولية صديقه الحميم عبدالرحيم "اللمبي" مهمة ادارة الشأن الأمني!
بعد الاطاحة بالرئيس بلغت الوقاحة و "البلادة" بأحد قادة اللجنة الأمنية من الجنرالات "الكُهن" و هو "الخرتة" صلاح عبدالخالق ان يتمسخر علي المحتجين الذين رفضوا هيمنة اللجنة الأمنية بالقول "اذا كنتم ترفضون سيطرتنا لماذا لم تعتصموا امام مستشفي الدايات"!!
هؤلاء لا يعرفون ان الجيش لا يمثل و لا ينبغي له، ان يمثل الحزب الحاكم و لا السلطة القائمة انما يمثل ارادة وطنية شعبية.. هؤلاء انتقلوا من تمثيل الوضع القائم الي تمثيل انفسهم و السعي لتحقيق مصالحهم "كقادة كبار" بالتحالف مع جهات خارجية "من مصر و الي روسيا" و جهات محلية تضم كل الراغبين في استدامة حالة الافلات من العقاب و سلب المال العام "السائب"..
ان توجه الشعب نحو القيادة لا يعني تفويض العسكر ليتفردوا بتقرير الأمور و لا أن يفرضوا تصور معين، فالقيادة و القوات العسكرية هي من ممتلكات الشعب و واجب العسكر هو تحمل شق من المسؤولية و المساعدة علي تحقيق ارادة الشعب و ليس تحقيق ارادة النظام المارق علي الارادة الشعبية تلك!
و انحياز القيادة العليا ليس فعلاً اصيلاً انما هو رد فعل؛ و اختيار بين موقفين لا ثالث لهما (موقف الشعب و موقف السلطة) و القيادة التي كانت خاضعة لسلطة تنظيم سياسي بما يتنافي مع القواعد الدستورية و ابجديات عقيدة الجيش وجدت فرصة لتصحيح موقفها و التحرر من هيمنة سلطة نظام "التنظيم".. و هاهي تهدرها لأنها استمرأت العمل تحت سطوة و هيمنة ذلك التنظيم!
• القيادة التي ارتكبت جرائم حرب و جرائم ضد الانسانية ليس تحت سمعها و بصرها وحسب انما و بإسمها و وقفت متفرجة لا تحرك ساكناً..!!
• و القيادة التي ارتكبت ابشع جريمة نهب و "تشليح" لمؤسسات الدولة ليس تحت سمعها و بصرها و حسب بل بإسمها لأن انقلاب التنظيم (يونيو ١٩٨٩م) تم بإسم القوات المسلحة و لم تحرك ساكناً، لا بل شارك بعض منسوبيها في واقعة الفساد تلك!
• القيادة التي رأت البلاد تفتح للارهابيين و شذاذ الأفاق من كل حدب و صوب و يمنحون الهوية السودانية و يتملكون العقارات السكنية و الزراعية و "المعسكرات" و لم تحرك ساكناً؛ بل كانت لا تري كل ذلك الا بعين الرضا التي تبدي المحاسنَ!!
• القيادة التي رأت الهوية الوطنية و اوراقها الثبوتية تباع في "سوق الله أكبر" و لمصلحة مقربين من رئاسة الدولة و التنظيم و لم تحرك ساكناً!
• و القيادة التي رأت اكبر جريمة في حق الوطن ترتكب "التفريط في وحدة التراب الوطني" و التفريط في وحدة الامة السودانية و لم تحرك ساكناً و كأن شيئاً لم يحدث!!!
و هاهي تمن علي الشعب اليوم انحيازها للثورة و اقتلاعها للنظام الذي اختطف القوات المسلحة و سائر مؤسسات الدولة و حكم باسمها و مرغ سمعتها في الوجل القذر!
كان هناك اعتصام حول القصر و كانت السلطة "سلطة المنحازين" تذبخ الذبائح و تمد الموائد و توفر الماء و "التحلية" من فواكه الموز.. و كانت تقيم ليالي ترفيه و غناء..!
اليوم هناك من يريدون الاحتجاج امام القصر و يتم منعهم من قِبل ذات السلطة؟ و ليس مجرد منع مهذب! بل بالقوة الغاشمة التي بلغت التقتيل و الاغتصاب و النهب و الاعتقال!
لذا فإن "المنحازين" يثبتون بالدليل العملي انهم جزء اصيل و امتداد طبيعي للنظام البائد و رأس جديد نبت له بعد خلع رأسه السابق.
أغسطس ٢٠٢٢م
تعليقات
إرسال تعليق