علي الرغم من ان كل منظري مشروع التمرد علي الدولة المركزية و "سلطة الخرطوم" الذين حرضوا علي استخدام العنف و القوة ضدها بدعاوي تفكيكها و مشاركة السلطة و الثورة SHARE OF BOWER & WEALTH بواسطة الاطراف و الهوامش (في الواقع مشاركتها بواسطة من قادوا التمردات)؛ كل أولئك المنظرين انحازوا للدولة المركزية في حربها الاخيرة و الدائرة حالياً في شوارع النيل و القصر و الجامعة و الجمهورية و البلدية و افريقيا و عبيد ختم و الستين و المعونة و الاربعين و الموردة و العرضة و الشنقيطي.. الخ
و رغم ان مقاتلي مليشيا السلطة المسماة الدعم السريع و المعروفة سلفاً باسم و صفة (الجنجويد) يفتقدون لأي تنظير و تأطير سياسي لقتالهم الشرس ضد حلفاء الأمس؛ اللهم الا من المنظرين (الافندية) أي الذين جري توظيفهم برواتب شهرية ليقدموا خدمات التحليل و الاستشارات السياسية لقائد المليشيا ..
الا ان هناك من (المنظرين المتطوعين- و الناشطين) ممن يقدمون خدماتهم مجاناً سعياً لتأجيج نار الحرب يقولون بأن هدف المليشيا في هذه الحرب هو هدم دولة ١٩٥٦ (الدولة التي ورثتها الحكومات الوطنية -حزبية او انقلابية/عسكروحزبية)؛ بافتراض ان علة السودان تكمن في نموذج حكومة و دولة ٥٦!!
هذا ليس اول استخدام و اقحام مصطلح "سنة ١٩٥٦" - ان جاز القول - في السياسة السودانية؛ اذ ان اول استخدام كان في اتفاقية نيفاشا و برتكولاتها الفرعية "قسمة السلطة و المناطق الثلاث و ابيي.." و في القوانين التي انبثقت عنها ..
* فالبنود التي حكمت ترسيم الحدود بين اقاليم شمال السودان و اقاليمه الجنوبية اقرت "المبدأ العام" بأن الحدود المعتمدة هي حدود المديريات التي كان عليها العمل في ١ يناير ١٩٥٦م ..
* و البنود التي اقرت المبادئ العامة للاستفتاء علي تقرير مصير الجنوب (٢٠١١م) اعتمدت في تعريفها للمنتسبين للقوميات الجنوبية معيار تواجد الابوين بالجنوب في او قبل ١ يناير ١٩٥٦م ايضاً .
هذا له معني واحد هو ان نيفاشا قامت علي فلسفة ان النظم و الترتيبات و الاجراءات التي اتخذت خلال الحقبة الاستعمارية (قبل ١ يناير ١٩٥٦م) هي ترتيبات مقبولة و "صائبة"، و ان كل ما اتخذ من ترتيبات و ما اتبع من سياسات بعد الاستقلال في ١ يناير ١٩٥٦م هو لغو باطل و بلا قيمة!!
أما اليوم فإن فلاسفة التطوع يعتبرون ان ١٩٥٦ نفسها لغو باطل .. و ان كل ما انبني عليها و قام من سياسات و ترتيبات هو سبب الازمة الوطنية المتطاولة التي افضت الي حروب آخرها حرب العبث القائمة!
أكيد ان فلاسفة التطوع لن يكبدوا انفسهم و لا عقولهم الصغيرة مشقة توضيح ابعاد حديثهم عن دولة ٥٦ !! تماماً كما لم يكبد اسلافهم عقولهم مشاق شرح اصطلاحات الخطاب المعارض طيلة ثلاثينية الانقاذ السوداء (المركز/هامش، و الصراع الثقافي، الاسلاموعروبية، و دولة الجلابة "مؤسسة الجلابة بعبارة الدكتور محمد سليمان صاحب حرب الهوية و الموارد.. الخ) .
و هي المصطلحات التي ظل الخطباء يرددونها و الكتاب يتعاورونها في مقالاتهم دون تمحيص و دون معرفة مدلولاتها و لا اثارها علي الساحة السياسية!
هذا ضرب من استسهال السياسة و الفكر السياسي في السودان و هذا الاستسهال هو ما قاد مدنيين بلا ادني مقدرات و ضباط بلا ادني كفاءة لتولي مناصب الحكم في الدولة!
بصورة او أخري فان شعار هدم "دولة ١٩٥٦م" هو امتداد طبيعي لخطاب جدلية و "حتمية" صراع المركز و الهامش و منهج التحليل الثقاف(و)ي؛ رغم انف عرابي تلك الخطابات الذين انحازوا اليوم لجيش الدولة المركزية الامنية القابضة و المستبدة!!
فقط يتبناه لاعبين جدد علي ساحة العمل المعارض (العسكري) !!
الأزمة انه اذا كان خطاب (الجدلية) و (منهج التحليل) افضي الي سراب فان امتداده (دولة ٥٦) سيفضي الي عدم و سراب اشد فداحةً و بؤساً ..
ثمة ملاحظة مهمة هنا هي ان اركان النظام البائد لم يكلفوا انفسهم قط عناء الرد علي خطاب "الجدلية و المنهج" و ليس لأنها لا تستحق ان يرد عليها بل لأنها قالت نيابة عنه ما لو قاله بنفسه لكان خصماً عليه !! فعمليا كان ذلك النظام قبل سقوطه و بعده هو اكبر المستفيدين من رواج تلك الاطروحات !!
ما هي ملامح دولة ٥٦ التي لا تعجب منظري المليشيا و يريدون هدمها؟
هل هي السودنة؟ و النظام المركزي؟ و القوي السياسية الارثية (البيوت التي و رثت الثراء الاقتصادي و الصيت الاجتماعي بدعم من المستعمر و بناءاً علي ادوار تاريخية بعينها اداها عمداء تلك الببوتات /الميرغني/المهدي/الهندي الي آخر قائمة رؤساء الطوائف الدينية و شيوخ القبائل و العشائر)؟
اذاً ما الجديد في هذا؟ أ ليست هذه هي ذات الاسباب التي ظلت تحرك الثورات المسلحة و الانقلابات منذ الاستقلال؟!!
ثم أ ليست هي هذه هي معطيات السياسة السودانية ليلة ١ يناير ٥٦ ؟! و هي التي حكمت مسار ما بعدها من الليالي؟
و الحكم المركزي هو ذاته الذي ادار به المستعمر البلاد الكبيرة بصورة مرضية و حسنة و بأربعة موظفين "كبار" فقط هم الحاكم العام و السكرتيرين الثلاثة؟
ثم ما هي ملامح "الشئ" الذي يريد دعاة هدم "دولة ٥٦" تثبيته بعد الهدم؟!!
أم هي مرحلة هدم فقط و لا يسألون عن بناء و لا تركيب؟!
تعليقات
إرسال تعليق